الدين.. وسمعة رجل الدين

تعرض عشرات آلاف الصبية للتقييد بالسلاسل والضرب وسوء المعاملة في مدارس إسلامية في السودان، حسبما كشف تحقيق أجرته «بي بي سي» العربية. تعرف هذه المدارس الدينية التي يبلغ عددها ثلاثين ألفاً، بـ«الخلوات». وتنتشر في عموم السودان، وتتخصص في تعليم الأطفال الذكور القراءة والكتابة وحفظ القرآن. وتضمن التحقيق التلفزيوني، الذي تم سراً على مدى سنة ونصف السنة، صورا مرعبة داخل 23 خلوة منها، حيث وجدت الـ«بي بي سي» إساءات ممنهجة في العديد منها، يتعرض فيها أطفال لا تتجاوز أعمار بعضهم السنوات الخمس، للتقييد بالسلاسل والضرب على يد رجال الدين، المسؤولين عن هذه المدارس. وورد على لسان أحد الطلبة، لمراسل القناة، المتخفي، بأن المسؤولين يقيدون ستة أو سبعة منهم بعضهم مع بعض بالسلاسل ويجبرونهم على الركض، وعندما يسقطون يضربونهم بالسياط، لكي ينهضوا ثانية. نشر التحقيق في كل وسائل الإعلام العالمية، والعربية ومنها السودان، ولم تحتج اية جهة فيها على هذه الجريمة البشعة، ولكن ما ان صدرت إساءات من الرئيس الفرنسي ماكرون ضد الإسلام والمسلمين حتى امتلأت شوارع الخرطوم بآلاف المحتجين الغاضبين! ما حدث في مدارس السودان الإسلامية حدث ما هو أقسى وأكثر بشاعة منه في مدارس إسلامية في نيجيريا، مخصصة للضعاف دراسيا وخلقيا، ولم تخرج أية تظاهرات فيها احتجاجا على إهانة كرامة هؤلاء الأطفال الأبرياء الذي وقعوا في أيدي رجال دين بلا ضمير ولا خلق.

* * *

تم قبل أيام توجيه تهمة اغتصاب خامسة لطارق رمضان، حفيد «حسن البنا الساعاتي» مؤسس الإخوان المسلمين، الذي يعتبر الممثل الأهم والداعية الأكبر للإخوان في أوروبا. كما تزامن مع تلك التهمة صدور حكم في الكويت على رئيس مبرة خيرية كويتية لاختلاسه أموال الجمعية. وفي جانب، ثالث قام محاميان كويتيان برفع قضية على رئيس جمعية خيرية عالمية بتهمة الاستيلاء لنفسه على أموال تبرعات لدولة إسلامية. وسبق كل ذلك اكتشاف عمليات سرقة في جمعيات يسيطر عليها منتمون لجهات إسلامية دينية متشددة، يديرها كبار ينتمون للمذهبين، وتعرضت شخصيا لخسائر مالية كبيرة نتيجة جرائم هؤلاء. كما طال الفساد جميع المؤسسات الدينية الحكومية، تقريبا، ومنها مركز الوسطية وهيئة طباعة القرآن، التي لا تزال، بعد كل اللغط الذي دار حولها، والفضائح التي تعرضت لها، باقية دون عمل غير دفع ملايين الدنانير رواتب لموظفيها الذين لم يوفقوا حتى اليوم ربما في طباعة نسخة مصحف واحدة.

* * *

ليس الغرض من كل هذا الكلام فضح أحد أو التهجم على الحركات الدينية، فأغلب الجهات المعارضة لها ليست أقل فسادا منها، ولكن لكي أبين اننا جميعا بشر وخطاؤون، ومن الخطورة بمكان إضفاء هالة من شبه القداسة على العاملين في هذه الجهات، واعتبارهم منزهين ويجب ألا تطالهم الشكوك أو الاتهامات، فقط لأنهم أصحاب لحى أو رجال دين، ويمثلون القدسية في العقيدة، وكأن الشك في سيرتهم سيؤثر على الدين، وهذا غير صحيح، فقد كان الفساد موجودا ضمن المؤسسة الدينية، وفي مختلف الأديان وفي أي مكان وزمان دون استثناء، وقصص الولاة السراق في التاريخ الإسلامي خير دليل، وكل ذلك لم يمنع الدين من الانتشار ودخول الآلاف فيه!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top