المارمولك الإيراني والسحلية الكويتية

«رجال الدين ليسوا نصابين، ولكن النصابين أصبحوا رجال دين...!» الشاعر المصري الراحل أحمد فواد نجم

***

أنتجت السينما الإيرانية عام 2004 فيلم «مارمولك»، أو السحلية، الدرامي الكوميدي. وتشكلت طوابير طويلة لمشاهدته. سبق عرضه حصوله على موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي، فحضر أعضاؤه مع أهاليهم لمشاهدته، فنال «حنق» الأعضاء الملالي في غالبيتهم، واعجاب أهاليهم.

***

تُلفق تهمة السطو المسلح لـ «رضا»، بطل الفيلم، ولص المنازل البائس، ويحكم عليه بالمؤبد. يدفعه شعوره بالظلم لمحاولة الهرب، فيفشل ويدفعه يأسه للانتحار، لكن زميله في الزنزانة يمنعه من ذلك بالقوة فيصاب وينقل للمستشفى لتلقي العلاج. يلتقي هناك بـ «ملا» اسمه رضا أيضا، ويتعلم اللص منه أمورا كثيرة، فقد كان رضا السحلية يجهل كل ما له علاقة بالدين، ومع الوقت يصبحان صديقين. يتشافى رضا ويحين وقت اعادته للسجن، لكنه يغافل الملا، وبما يشبه التواطؤ من الأخير، ويرتدي ملابسه ويهرب من المستشفى، وسط احترام الحراس لردائه الديني، ويقرر السفر بالقطار لقرية بعيدة ليلتقي بصديق له يتقن تزوير الجوازات، ليحصل على هوية جديدة. يشعر في القطار بأهمية ردائه، حيث يقوم المسؤول بنقله من الدرجة العادية الى الأولى، وهناك يلتقي في العربة الخاصة بامرأة وابنتها، اللتين تفرحان بوجود رجل دين معهما، وتبدأ الأم بوصف حالة عذاب ابنتها مع زوجها، وتطلب منها الكشف عن جسدها له قائلة انه مثل الطبيب، ليرى آثار الضرب على أجزاء جسدها العاري! هنا تبين لرضا، المحب للشهرة والنساء، مدى أهمية هويته الجديدة! قوبل رضا بالترحاب من إمام مسجد القرية عند وصوله. ووجد غرفة نظيفة مخصصة له، وطعاما وفيرا، ولم يكن مطلوبا منه سوى القاء خطبة الجمعة، والرد على اسئلة الأهالي، وهو الذي لم يكن يفقه شيئا في الشرع! تتخلل الفيلم مشاهد مضحكة بالفعل، من خلال تسليط الضوء على سذاجة غالبية البشر في مجتمعاتنا، التي تميل لتصديق أي شيء، وعدم اجهاد نفسها في التفكير، ونرى من كل ذلك مساوئ الثقة الكبيرة برجال الدين. يتعرض رضا خلال احتكاكه بأهل القرية لسيل من الاسئلة التي تتعلق بالدين والحياة، وبسبب جهله، فإنه كان مضطرا لإعطاء أجوبة غير متوقعة، ولا تتناسب أبداً مع فهمهم، ولكن ثقتهم به كانت تدفعهم لتصديقه. وفي يوم تجسس بعضهم عليه، ووجدوه يرتدي ملابس عادية ويزور بيتاً فقيراً، فاعتقدوا أنه يتنكر ليساعد المحتاجين، ولكنه كان يفعل ذلك لعلاقته الغرامية مع صاحبة البيت. ينتشر خبر قيامه بمساعده الفقراء فيقوم الأهالي بشكره على جهوده، ويعرضون مساعدته في توزيع المؤن على المحتاجين. ومع الوقت يصدق «رضا السحلية» الكذبة التي اخترعها، وتزداد ثقته بنفسه، وتصل شهرته للعاصمة طهران، ويسمع به مدير السجن الذي كان رضا مسجونا فيه الى القرية، بعد ان وصلته أخبار «منجزات» الملا رضا، فيقرر زيارته ودعوته للقيام بتقديم الوعظ للمساجين. تقع ملابسات مضحكة، ومن خلال حبكة جميلة، يكتشف المدير ان رضا (الملا الحقيقي) قد توفي، وإن الذي أمامه هو رضا النصاب والسجين السابق! ينتهي الفيلم بعبارة على الشاشة تقول: «لا يمكنك دفع الناس الى الجنة بالقوة، إنك تضغط عليهم بشكل يجعلهم يندفعون إلى الظلام».

***

لو نظرنا حولنا، لوجدنا من أمثال رضا المئات، وخاصة الذين التحقوا في مرحلة مبكرة بالأحزاب الدينية، وتمكنوا كالسحالي الخبيثة، بعد انتهاء دراستهم، من التسلق على الأكتاف، والوصول لأعلى المناصب وتاليا لكرسي البرلمان مستغلين سذاجة الكثير من الناخبين، وأصوات الحزب، ونجحوا، مع الوقت، في خلق هالة من الورع حولهم، بحيث صدقهم الكثيرون ووثقوا بهم، فاستغلوا تلك الثقة، وهم ابعد ما يكونون عن التقى، في اشباع رغباتهم، وتحقيق الثروات لأنفسهم. كما نجحوا في استغلال مكانتهم «الدينية الحزبية»، في التوسط لإنجاز كل ما يصعب إنجازه من معاملات حكومية، مقابل حقائب ممتلئة بالمال! volume 0% انظروا جيدا، وستجدونهم من حولكم... بكثرة!

***

اعتذار: ذكرت في مقال الأمس عن والدي، ربما نتيجة الظرف النفسي الذي كنت أمر به، اسم أحد رفاقه في طفولتي بطريقة خاطئة، فهو الكابتن الطيار فلاح السمدان، وليس حمد، والذي لا يزال حيا يرزق. كما ذكرت بأن العم «محمود العوضي» توفي، وعلمت أنه لا يزال كذلك على قيد الحياة.. فمعذرة للاثنين، على خطأ غير مقصود.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top