لماذا قتلوا أنفسهم؟

سجلت حالات الانتحار في مناطق محددة بالكويت ارتفاعاً بين الوافدين من أصحاب الدخول المتواضعة، الذين أجبرتهم الحكومة على البقاء في مناطق حظر لفترات طويلة، من دون توفير المتطلبات الكافية لهم من مسكن وأمان وطعام، خلاف حاجتهم للمال لسد جوع أهاليهم في أوطانهم. إن سياسة عدم المبالاة الحكومية اتجاه هؤلاء مدمرة نفسيا وجسديا، خاصة في مناطق الحظر التي تضم مئات آلاف العمال من مختلف الجنسيات، وبدأت بوادر خطورتها تظهر في حالات الانتحار التي كان ضحيتها الأولى وافد نيبالي مسالم وآخر هندي في ظروفه نفسها، والذين قضوا شنقا، ووافد مصري شنق نفسه، في حادث مروع، أمام أسرته في شقته بالفروانية. كما تم إفشال محاولة وافد مصري آخر الانتحار، بعدما أنقذه زملاؤه من الموت في إحدى المناطق، ووقعت كل هذه الحوادث خلال الأيام القليلة الماضية. إن المسؤولية عن وفاة هؤلاء تقع على جهتين، الحكومة، بصورة مباشرة، التي منعت كل هذه الأعداد الكبيرة من العمالة الفقيرة من الخروج للعمل لفترة غير معقولة، خاصة ان الإصابات تتزايد في مناطق سكن المواطنين أكثر منهم، مع فارق الكثافة، وعدم مراعاتها لحقيقة توقف رواتب هؤلاء الضئيلة أصلا، وعدم توافر أدنى متطلبات حفظ إنسانيتهم وما عليهم من التزامات حيوية. كما تقع المسؤولية الثانية، وإن كانت بطريقة غير مباشرة، على الجمعيات الخيرية التي جمعت مئات ملايين الدنانير، ومعظمها لم تنفق منها على احتياجات الداخل إلا «الفتات»، بالرغم من أن أهداف غالبيتها تتلخص في القيام بأعمال الإغاثة. لقد أدينا في جمعية الصداقة الكويتية الإنسانية دورنا، بالرغم من ضآلة مواردنا المالية، ولا نزال نقوم بتقديم مساعدات مالية لأعداد كبيرة من المحجوزين في هذه المناطق، وننتظر رفع الحجر لنقوم بدفع المزيد منها لهم، ولكن العدد الذي يمكن أن نستمر في تقديم العون له يبقى صغيرا في بحر الأعداد التي تنتظر أي مساعدة كانت، سواء على شكل سلال غذائية أو مبالغ نقدية. إن الحكومة تبدو عاجزة عن مطالبة الجمعيات الخيرية بالقيام بدور أكبر في أعمال الإغاثة، خاصة أن وزارة الشؤون تعلم حجم الأرصدة المالية الكبيرة التي لدى هذه الجمعيات. كما نوجه اللوم للجهات المعنية بحقوق الإنسان التي لم تكلف نفسها زيارة مناطق الحظر، وحث السلطات على الاهتمام بصحة قاطني هذه المناطق وسلامتهم، والعمل على وقف حالات الانتحار التي بدأت بالتزايد بينهم نتيجة القهر والخوف من المستقبل المظلم. نعم، لدينا آلاف المساجد، وعلى استعداد للتأثر إن منعنا من ارتيادها، ومع هذا لم يفكر غالبية «المتأثرين» بمصير هؤلاء المحجورين. ولا أدري إن كانت صلاة اي «مواطن» مقبولة، من ناحية المبدأ، وحولنا كل هذا العذاب والفقر والمعاناة والقهر والمرض، الذي بإمكاننا جميعا التخفيف منه. ومن هذا المنطلق يسرنا ان نعلن عن حصولنا أخيرا على أول موافقة من الشؤون للقيام بحملة جمع تبرعات لمساعدة المحجورين، وبالذات المعوزين، في مناطق العزل، بترخيص يحمل الرقم (2020/3/40) وقوفكم معنا في هذه الحملة ستكون له معان إنسانية ووطنية كبيرة. يمكن التبرع من خلال الاتصال بمندوب الجمعية (أمين 51555244) أو زيارة موقع الجمعية: khfsolidarity.org 

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top