«كورونا».. في صور رائعة

لكل شيء تقريبا في الحياة جانبه الحسن والآخر السيئ. لست بلا ذوق، ولكن حتى للكورونا جانبها الحسن، مع كامل الاحترام لمشاعر من فقد عزيزا، أو أصيب بالمرض، او خسر وظيفة أو تجارة، فلا سيخرج من هذه الكارثة بلا جروح أو خسائر وآلام.

* * *

الصورة الأولى لدلافين تقترب من الموانئ، وتسبح بين القوارب والأعمدة دون خوف. يحتاج الإنسان والحيوان، وحتى النبات للراحة لكي يستمرا في الحياة والعطاء. حتى الآلات الصماء تحتاج للراحة لكي تعمل بصورة جيدة. لم ترتح الأرض، منذ الثورة الصناعية، يوما. وفجأة أصبح بإمكانها أن تتنفس هواء نظيفا، لم تحصل عليه منذ قرون. فقد توقفت ملايين المصانع الضخمة، وصمتت ملايين أخرى من الآلات والمركبات والمحركات عن الهدير ونفث سمومها والتسبب في تلويث الهواء ومياه الأنهار والبحار. كما توقفت مئات آلاف الرحلات البحرية والطيران، التي كانت تنفث يوميا أطنان السموم، غير ما كانت تتخلص منه من فضلات بشرية وقمامة، وفجأة أصبحت الأرض تبتسم، والطيور تغرد والأسماك تضحك. الصورة الثانية: لممرضة في عمر الورد تضع سبابتها على فمها طالبة من ثلاث «رجال دين» التزام الصمت. لا تظهر وجوه الثلاثة، ولكن يمكن الاستنتاج من خلال أغطية رؤوسهم انتماءاتهم، وكأنها تقول لهم: رجاء، تراجعوا خطوة إلى الخلف، فالوقت ليس وقتكم، بل وقت العالم في المختبر، والطبيب والممرض في المستشفى. أما الصورة الثالثة فهي لرجل يقف أمام باب مزار وهو ينتحب طالبا الدخول، دون أن يسعفه فهمه أن المكان الذي كان يوما ملجأ من يريد الشفاء وطلب الرحمة أصبح اليوم مصدر خطر، وموت. وقد تعيده التجربة مستقبلا لوعيه! الصورة الرابعة تمثلت في رسائل إلكترونية تلقيناها من وزارة التجارة، ومن شركة البورصة، التي سبقت غيرها في ميكنة أنظمتها، توافق لنا فيها على عقد جمعية عمومية، دون ان نضطر لتسليم وتسلم كتب باليد، وهذا ما كنا نطالب به الحكومة لسنوات! وبين لنا الكورونا مدى سهولة التحول من النظام الورقي للحكومية الرقمية خلال أيام، متى ما توافرت النية. أما الصورة الخامسة فقد انقسمت لجزأين. في الأول يبدو رجل دين متشدد مصاب بالكورونا، وبالكاد قادر على التنفس، وطبيبة، رائعة الحسن والفهم، تمسك بيديه تحاول إنقاذ حياته، بما تعرفه من علم، وليس بحبة سوداء وغيرها. فربما ستعيد التجربة التي مر بها وعيه له، وإن التي كانت بنظره ناقصة عقل ودين، وتستحق أن تضرب لتبقى في بيتها، جديرة بأن تكون إنسانة كاملة مثله، وربما أفضل منه. أما الصورة السادسة فلا تختلف عن الخامسة سوى بأن المصاب فيها حاخام طالما حذر اتباعه من فساد المرأة ونجاستها وضرورة عزلها، متى ما مرضت، والآن أصبح مصيره بين يديها، لتعيد الحياة لجسده المنهك والوعي لعقله المرتبك الذي طالما وضع المرأة في درك أدنى. أما الصورة السابعة فهي لبابا الفاتيكان وهو يصلي قبل أيام في «أحد القيامة» منفردا، بلا جماهير ولا مصلين ولا نقل تلفزيوني لمليارات البشر، تبين مدى ضعفنا وهوان حالنا مهما كان عدد اتباعنا، فلا شيء يمكن أن يصمد أمام فيروس لا يرُى بالعين، وكل الرتوش والطقوس والأثواب المزركشة لا يمكن أن تحمينا منه، وإن الوقت قد حان لأن نعود للجذور الحقيقية لكل معتقد، ولبساطة العقيدة، والعيش بسلام مع الآخر. volume 0% أما الصورة الأخيرة فكانت لأبنائي، وهم يستمتعون بالتواصل الرائع والمستمر مع أبنائهم، وهو الشيء الذي لم أحظى به، عندما كنت أبا لأطفال صغار، فقد شغلتني الدنيا عنهم ولا أتذكر أنني استمتعت بصحبتهم بما يكفي، وكم هم اليوم سعداء بصحبة أبنائهم، في لهوهم ونومهم وأكلهم، والأثر الإيجابي البالغ لهذا «الحبس الإجباري» على مجمل علاقتهم ببعضهم مستقبلا.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top