أخي الفاضل سمو رئيس مجلس الوزراء

يرجى أن يتسع صدر سموك لرسالتي المفتوحة هذه، وأن تعذرني على «شيلة الميانة» في مخاطبة شخصك الكريم، فالظرف دقيق والوضع خطير والمستقبل لا يبشر بالخير، ولا خير فيمن يعرف شيئاً ولا يسر به لمن بيده الأمر. بينت أحداث الأيام الماضية أن الحكومة إن اشتهت شيئا، أو رغبت في أمر، فلا شيء، أكرر لا شيء، يمنعها من القيام به، خاصة إن تعلّق الأمر بمستقبل الوطن والشعب، وأسرتك وأحبتك من هذا الشعب والوطن. وبالتالي لا شيء، أكرر ثانية، مع الاحترام، لا شيء يجب أن يمنعك من تحقيق حلم كل مواطن شريف، حال انقشاع الغمة، من جعل هذا الوطن شيئا أفضل بكثير مما هو عليه الآن، والأمر لا يتطلب غير الايمان بالإصلاح وتطبيقه. لقد أدرت وفريقك المصغر الأزمة باقتدار نال اعجاب القيادة العليا الحكيمة، وكل قيادات العالم. ونجحت في مواجهة خطر الوباء، او تقليل خطره لأدنى درجة ممكنة، من دون أن تترك لأي متنفذ أو سياسي أو نائب المجال لأن يتدخل ويملي شروطه عليكم، واضعا نصب عينيك المصلحة العليا. لقد شاءت الظروف أن أكون أول من نبه لخطورة بقاء مئات آلاف الوافدين من دون عمل ولا دخل. وشاءت الظروف أن يتجاوب مجلس إدارة جمعية الصداقة الكويتية الإنسانية معي في التحرك لمساعدة أكبر عدد ممكن من هؤلاء بتقديم العون لهم، قبل أن يخرجهم الجوع عن طورهم. نشرت إعلانا وطلبت من كل وافد فقد عمله ودخله الاتصال بي على هاتفي الشخصي، بعدها لم أنعم بالنوم لليال، ليس بسبب العدد غير المعقول للمتصلين، طوال أيام فحسب، بل لما رأيته من حالات مأساوية وفقر واستغلال ومتاجرة بحقوق البشر وانتهاك لإنسانيتهم في كل يوم. كما رأيت الكم الكبير من «المواطنين غير الشرفاء» الذين أجرموا بحق مئات آلاف الأجانب طوال سنوات، من دون ان يتعرض لهم أحد، وكمية ونوعية الخدع التي اتبعوها في بيع الأحلام، فأفقدوا أغلبية هؤلاء حتى الحق في الحلم. لقد نجحت يا سمو الرئيس، وفريقك الوزاري المصغر، في التصدي بكفاءة للخطر الكبير الذي شكله وباء كورونا لصحتنا ووجودنا، وهذا نصر في معركة الجهاد الأصغر. ما ينتظرك، يا سمو الرئيس، هو الجهاد الأكبر. جهاد التصدي للفاسدين. جهاد التصدي لتجار الحروب. جهاد التصدي للمتاجرين بقوت الناس. جهاد محاربة تجار الإقامات. جهاد تطوير العمل الإداري. جهاد مراقبة أمور الدولة بكاملها إلكترونيا. جهاد تطوير المنظومة الأمنية. جهاد موازنة التركيبة السكانية، وهذا ليس بالصعب عليك، كما رأينا من جميل عملك، متى ما عزمت وسرت، لنسير جميعا وراءك. دعني يا سمو الرئيس احدثك بهاتين الحادثتين: قبل أكثر من ثلاثين عاما، وفي أوج الحرب الأهلية اللبنانية، وصل محام لبناني شهير لمطار جنيف من نيويورك، التي أصبحت وطنه بعد أن ترك لبنان إثر تعرضه لتهديد بالتصفية. كان في استقباله محام كويتي معروف وهو الذي روى لنا الحادثة. قال إنهما ذهبا للفندق، حيث أنهى الاجراءات وترك الضيف حقيبته في البهو، وانطلقا لقضاء المساء في بيت صديق. بعد نصف ساعة رن جرس الباب وإذا بسيارة شرطة وضابط يسأل عن الضيف اللبناني، ويعتذر له عن تأخرهم في الوصول له ليعرضوا عليه الحماية، كونه شخصية معروفة ومهددة بالقتل من قبل منظمة إرهابية، كانت حينها نشطة في لبنان. انتهى الأمر بشكرهم، وأنه بخير ولكن الجميع بقي مبهورا لفترة من كفاءة الشرطة السويسرية وسرعة تصرفها، وكان ذلك قبل اكثر من ثلاثين عاما. أما القصة الثانية، فتتعلّق بالطريقة التي تحكمت فيها الصين بوباء كورونا، والكيفية التي أدارت بها شعبا مكونا من مليار و400 مليون من البشر المنتشرين على مساحة 9 ملايين وستمئة ألف كلم (الكويت 18 ألفاً) من خلال نظام كمبيوتر بإمكانه أن يعد أنفاس كل شخص، ويميز ملامح وجهه عن غيره! إننا لا ندعو حتما لدولة بوليسية، بل ندعو من قلب مخلص ألا تبقى الأوضاع على ما هي عليه. فالكويتيون، يا سمو الرئيس، والمقيمون المخلصون، يستحقون حياة أفضل. فليس هناك إنسان يحترم نفسه ويود أن يعيش بأمان، ويقبل بوجود كل هذا العدد الكبير من المقيمين، ونسبة كبيرة منهم بلا عمل ولا وجود قانوني، وما يحدث ليس فقط جريمة في حق الوطن بل وأيضا جريمة في حق هؤلاء. volume 0% القضاء على هذا الوباء هو الجهاد الأكبر، ولا أراك إلا قابلا لخوض غمار هذه الحرب، خاصة أن الكفاءات الوطنية موجودة، والأموال متوافرة، وليس صعبا الحصول على الأنظمة الرقابية. وتقبلوا سموكم وافر التقدير والاحترام.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top