وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر

استطاع فيروس، لا يُرى بالعين، تعطيل كل شيء تقريباً في حياتنا، ورفع الحدود بين الدول، وحتى بين مقاطعات الدولة الواحدة، وارتفعت الأصوات مطالبة بالانغلاق والتقوقع، ودخل العالم أجمع في نمط حياة مختلف، وأصبح الكل يكره الغريب، ويذعر منه، حتى لو كان مواطناً مثله؛ ففيروس المرض لا يعرف التمييز بين صديق وعدو وحبيب وابن. تجربة هذا الوباء بيّنت قدرات الدول والمجتمعات على مواجهته واحتوائه والقضاء عليه، سواء كانت قدرات طبية أو اجتماعية أو ثقافية أو مالية، وقد نجحنا في الكويت فيها جميعاً، ولكن ظهرت «وقائع» مؤلمة يتطلب الأمر التصدي لها بقوة وفور انحسار الأزمة أو المصيبة. فقد تبيّن جلياً، من خلال واقعة التبرّع لصندوق التضامن مع الدولة في كارثة «الكورونا»، وتحمّل الأعباء معها، حجم الخطأ أو الخطيئة التي ارتكبتها السلطات التعليمية في الكويت على مدى نصف القرن الماضي. فقد تركت العنان للولاء الطائفي والقبلي ليتجذّر بصبر وحذر، بموازاة الولاء للوطن، ثم لينفصل عنه في مرحلة لاحقة وينطلق لآفاق جديدة، بحيث أصبحت الغلبة للقبيلة أو للولي الفقيه أو المرجع، على حساب الوطن. هذا الشعور بضعف الانتماء لم يأت من فراغ، ولا تلام الأغلبية عليه، فقد نشأ وكبر وتربّى من خلال تجارب مريرة عاشها أو عايشها هؤلاء، بعد أن تبيّن لأغلبيتهم، خصوصاً المهمّشين منهم، ممن لا يمتلكون سنداً ولا مالاً أو نفوذاً.. تبيّن لهم أن من الأفضل العودة والانتساب والاحتماء بالقبيلة أو الطائفة للتغلّب على مصاعب الإدارة الحكومية وتعقيداتها، لكونه الطريق الأسهل والأسرع لإنهاء المعاملات أو للحصول على حق مغتصب، أو لاغتصاب حق الغير لأنفسهم. فلو كان الفساد الحكومي والإداري أقل مما هو عليه.. ولو كانت الإدارة الحكومية أكثر سلاسة وأقل روتيناً.. ولو كانت الحقوق تصل إلى أصحابها دائماً، والمعاملات تنجز في أوقاتها، لما اضطر هؤلاء إلى اللجوء لنائب خدمات، ليحصل لهم على حقوقهم، وينهي لهم معاملاتهم ويحقق لهم «ترقياتهم»! ولهذا، لم يكن غريباً غياب أسماء كبيرة عن قائمة المتبرعين لدعم الجهود الحكومية في موجهة كارثة «الكورونا»، وهي الجهات نفسها التي لم تترد في جمع الملايين، تلبية لفزعة القبيلة أو الطائفة.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top