مخدرات التعليم عن بُعد

حذرت وزارة التربية المدارس، الحكومية والخاصة، وبلهجة قوية ومشددة، بأنها سوف تخالفها وتحيلها للشؤون القانونية، ليس إن قامت بفتح ابوابها أثناء الإغلاق الإجباري الحالي، بسبب تفشي مرض الكورونا. وليس إن قامت ببيع المخدرات، ولا إن قامت بتوزيع صور فاضحة في أروقتها، بل حذرتها من اتباع نظام «التدريس عن بُعد»، بطريقة «أون لاين»، مؤكدة أن من يخالف ذلك سيعرض نفسه للمساءلة! وقالت مصادر تربوية إن بعض المدارس، وباجتهاد شخصي منها، كما ورد في «الأنباء» بالأمس، قامت بتطبيق دراسة التعليم عن بعد، وإن ذلك أدى إلى «تذمر بعض أولياء الأمور»! غريب جدا أن تلغي الوزارة هذا الأسلوب العلمي والمتقدم في التدريس في هذه الظروف الطارئة، لأن «بعض الأولياء تذمروا! وماذا ستفعل الوزارة لو أن غالبية أولياء الأمور لم يتذمروا؟ القرار الوزاري فاشل وسخيف ولا مبرر له، والتستر وراء قرار مجلس الوزراء المتعلق بتعطيل الدراسة أكثر سخفا. فالمجلس قرر تعطيل الدراسة من منطق خوفه من وجود تجمعات كبيرة تكون عرضة للإصابة بالمرض، وهذا قرار تشكر عليه، ولكنها لم تطلب من الوزارة منع وتعطيل «التعليم عن بعد». وكان حريا بمسؤولي التربية، لو كان قلبهم على مستوى التعليم، أن يبادروا بتشجيع هذه الطريقة والدفاع عنها أمام مجلس الوزراء، وعدم الالتفات لتذمر البعض، فالدولة لا تدار بالانصات لتذمر هذا وتأفّفات تلك. تتبع دول مثل استراليا وكندا التعليم عن بعد منذ أكثر من مئة عام. وهو نظام متبع في الدول الشاسعة المساحة والكثيفة السكان كالهند والصين منذ عقود طويلة. لقد حاولت الاتصال بالوكيل المسؤول عن إصدار هذا القرار (الحويلة)، وارسلت له رسالة ولكن لم أتلق منه ردا، فكان هذا المقال. إن لهجة التهديد في قرار متخلف وغير حضاري، أمر مستغرب جدا، وكان من الممكن القول مثلا انها تؤيد التعليم عن بعد، لكنه لا يغني عن التعليم الكلاسيكي المتمثل بالحضور في الفصل، وإن بصورة مؤقتة. فما مصير السنة الدراسية إن طالت فترة التعطيل؟ ولماذا لم يترك الأمر لكل مدرسة، وبالذات المدارس الخاصة؟ كما أن وزارة التربية سبق أن اتبعت، في عهد الوزير الفاضل بدر العيسى، التعليم عن بعد بقصد تواصل الطالب وأسرته مع إدارة المدرسة والمعلم في جميع الأوقات، خاصة خلال فترات غياب الطالب/‏ الطالبة عن المدرسة لأي سبب كان. والمؤسف أن فاقدي الضمير من المعلمين لا يعجبهم هذا النظام، الذي يمكن ان يأخذ منهم وقتا إضافيا. كما ان بعض الأسر ليس لديها الوقت أو الرغبة في متابعة تعليم أبنائها. كما أن هذا النظام في حالة تطور، لهذا فإن الإدارة المدرسية المتخلفة لا ترغب فيه. كان حريا بوزارة التربية ان تبين أسباب رفضها المنطقي والعلمي للتعليم عن بعد، بدلا من «التلطي» وراء قرار المجلس، والتجاوب مع «تذمر البعض»، والأغلب أنهم لا يعرفون كيف يعمل النظام، فرفضوا تطبيقه من باب «ابعد عن الشر وغني له»! يحدث ذلك في «التربية» وهي في قمة عجزها الإداري. فوكيلها الحالي مؤقت، وتشكو من نقص في عدد الوكلاء المساعدين، ومراكز مديري المناطق شاغرة منذ شهور، ووزيرها متردد في اتخاذ القرارات، ولا يرد على المكالمات ولا الاتصالات. إن التعليم الذكي، أو التعليم عن بعد امر واجب التطبيق، وهو الذي سيسود في العالم، فلا يمكن لمباني المدارس والجامعات تلبية كل احتياجات العالم، وكوريا تقوم بتطبيقه بكفاءة عالية، ونظامها الأكثر تقدما في العالم في هذا المجال. 

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top