التقهقر والانسحاب

على الرغم من أن معاملات الدولة وشؤونها تتجه للميكنة والاستعانة بأحدث التقنيات، فإن بعض الأمور تعود إلى الوراء وتجعلك تتساءل عن السبب، لتكتشف أن وراء الأمر فائدة لبعض المتاجرين بقوت البشر، والمستفيدين من تخلّف الجهاز الإداري للدولة. كيف يمكن أن نصدّق، أو على الأقل نعرف السبب، الذي دفع وزارة الداخلية فقط، وفي قرار سخيف، الى أن تقوم بالسماح للبعض بوضع عربات نقل تم تحويلها لمكاتب، لتقوم بأعمال طباعة نماذج تجديد الإقامة وطلب إجازات قيادة وغيرها من أوراق، والتي بإمكان أي برنامج كمبيوتر بسيط توفيرها لكل المراجعين مجانا وبسهولة، داخل مراكز خدمة المجتمع، من دون اضطرارهم الى الوقوف في الأجواء الحارة أو الباردة أو المغبرّة في طوابير مذلّة وغير إنسانية ولا حضارية بانتظار إنهاء عملية طباعة أو تصوير شديدة البساطة؟! وكيف يحمل المركز لافتة تبيّن أن المكان مخصص لخدمة المواطن، وهو يدفع باتجاه زيادة معاناته وإذلاله، من خلال تشغيل مئات الأيدي العاملة في وظائف هامشية، لا تتطلب أبداً وجودهم، لولا أن هناك من يحقّق الملايين سنوياً من وراء هذه الظاهرة غير الحضارية، وغير الضرورية أبداً. العربات الأخرى التي يمثل منظرها القبيح ظاهرة غير مريحة ولا حضارية، ولا سبب لها غير المتاجرة بقوت البشر عن طريق إحضارهم الى الكويت، للقيام بأمور لا ضرورة لها، هي البقالات المتنقّلة المتناثرة في الصحارى، وعلى مفترق الطرق السريعة والتي تنشر القذارة وتبيع المحظورات، وتتكوّم الزبالة حولها، وتتطاير أكياس البلاستيك منها، ملوّثة البيئة الصحراوية، وكميات كبيرة منها تصل إلى مياه البحر. علمت مؤخراً أن هناك لجنة برلمانية تسمى «لجنة تحسين بيئة الأعمال»، يرأسها النائب يوسف الفضالة، ولكن لا يبدو أنها حقّقت الكثير في محاربة الظواهر السلبية الحقيقية، مثل تخريب البيئة، وزيادة كثافة مناطق سكن العمال، وغيرها، بل هم يرونها غالباً في ذراع عارية لامرأة، أو فتاة تتمايل على نغم جميل! إن أضرار هذه البقالات المتنقلة أكثر بكثير من نفعها. هناك نوافذ بيع بعيدة عن عين القانون، ويستغلها المنعدمو الضمير وسيلة لبيع المحظورات من سجائر لصغار السن، لا تتوافر في جمعيات المنطقة، والألعاب النارية الممنوعة والخطرة، وبيع مشروبات الطاقة حتى لأطفال المدارس الابتدائية، علاوة على وجودها على مفترقات الطرق والدوّارات والتقاطعات، ما يسبّب أزمات مرورية، مع الأخذ في الحسبان غياب الرقابة الصحية على ما تبيع من منتجات، ووقوف بعضها على الأرض وتكسيرها، وأمام المدارس ومداخل الأماكن العامة. الجانب المؤلم أو المظلم في هذا الموضوع أن أغلب أصحاب هذه البقالات مسنودون من نواب المناطق التي تكثر فيها هذه البقالات، ولو قامت الجهات المعنية بالتضييق عليها فسيجدون نواب هذه المناطق لهم بالمرصاد، وهؤلاء النواب تم انتخابهم من نفس الشاكين من فوضى البقالات المتنقلة، كما أن نفس النواب سبق أن تدخلوا للإفراج عن أبنائهم المحتجزين، وعليك الخروج من هذه الحلقة الجهنمية التي لا نهاية لها!! وبعد كل ذلك، يأتي من يطالب بالديموقراطية لكي تصل مثل هذه النوعيات إلى المجلس، وتشرّع لنا ولمستقبل أبنائنا!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top