عزيزي عباس.. عزيزتي حماس

عرفت فلسطين وقضيتها لأول مرة وأنا طفل في مدرسة الصباح الابتدائية، حيث لم يقصر مدرسونا الفلسطينيون في شرح القضية والحديث عنها على الرغم من شكهم في أن عقولنا الصغيرة كانت تفهم الكثير مما كانوا يقولونه، ولكن لسبب ما رسخ الكثير مما ذكروه في عقلي الباطن. كان ذلك في السنوات الأولى من خمسينيات القرن الماضي، وبعد أقل من 8 سنوات من النكبة التي ضاع فيها وطن بسبب خيانة وتقاعس وتخلف وضعف فريق مقابل عكس ذلك في الجانب الآخر، ولا يزال الوضع بعد سبعين عاما، ليس كما هو عليه، بل أكثر سوءا في جانبنا بكثير، وأشد وأقوى في جانبهم.. وأيضا بكثير. صفقة القرن، او صفعة القرن، حسب وصف بعض المعارضين لها لم تؤثر في تحريك صرصوخ آذان أي معني بالقضية، فالأمور كما كانت و business as usual، وستبقى كما هي في المستقبل المنظور وما بعد. حماس تعارض عباس وعباس يقاتل حماس، وهذا الطرف يرمي مقاتلي الطرف الثاني من فوق المباني، فيرد الطرف الآخر باغتيال رجال الطرف الآخر.. وهكذا! وأنا على يقين بأن الطرفين على استعداد للفتك بعضهما ببعض قبل التفكير بالفتك بعدوهما التاريخي، والسبب أن إسرائيل لا تنازع أيا منهما على الكرسي، ولكنهما يشكلان خطرا على كراسي بعضهما البعض، وبالتالي أي حديث عن مقاومة وصمود ومعارضة دون لم هذا التشرذم الفلسطيني، لا معنى له. إسرائيل قوية وتقوى كل يوم، ويحاسب ويسجن رئيس وزرائها على أبسط الجرائم، فأولمرت سجن ورابين خسر رئاسة الوزارة لأنه خالف القوانين المالية، ونتانياهو يتعرض لخطر السجن، وليس أدل على قوة إسرائيل من وقوف عدد من كتابها وسياسييها مع الفلسطينيين، دون وجل. إن البعض يعتقد ان أي سلام يعني نهاية العز الذي هم يعيشون به، وكلما بقي الوضع على ما هو عليه استمرت مزاياهم وعطاياهم. نحن في مواجهة بعضنا لبعض وفي مواجهة أعدائنا «مهزومون» خلقة، وقبل أن نبدأ بإعلان حرب على أي جهة. نحن لا نكتفي بعدم الترحيب بعضنا ببعض بل نمقت بشدة بعضنا بعضا ونغلق حدود بعضنا أمام بعض ونفتحها أمام الغير، بل وصل الحال بدول تمنع رعايا كل الدول العربية والإسلامية من دخولها، وترحب في الوقت نفسه بمن نسميهم أعداءنا! صناعاتنا، إن وجدت، في الحضيض. مدارسنا، بلا استثناء، في الدرك الأسفل، مباني ومدرسين ومناهج ومخرجات. مواقفنا من حقوق الإنسان، وبلا استثناء، في المؤخرة. برلماناتنا لا وجود لها، وإن وجدت فشكلية في الغالب. صحفنا حكومية، وإن كانت غير ذلك فما عليها من قيود أكثر مما لديها من حريات. 90% من جامعاتنا متخلفة وغير معترف بها، ولا يعرف العالم عنها شيئا ولكنه يعرف أكثر عن سجوننا. مختبرات أبحاثنا لا وجود لها، وما يصرف على الابحاث يذهب للمخابرات. volume 0% جوازات سفر غالبية دولنا غير مرحب بها في الدول المتقدمة، ومع هذا يصر الغالبية على الحصول عليها، لكي يتسلل بها لدولة أوروبية ويطلب اللجوء السياسي لها. سجوننا تمتلئ بالمجرمين والأبرياء وأصحاب الرأي والمعارضين والمدونين، ولدينا أكبر نسبة منهم، ومع هذا لدينا خارجها فسّاد وسرّاق أضعاف ما لدى غيرنا. والفجوة التي تفصلنا عن العالم المتقدم ليست فقط في الأمور التي نراها من تفوق اقتصادي وعلمي وعسكري ومالي، بل وقبلها تفوقهم أخلاقيا علينا. فنحن ومنذ آلاف السنين نربط الأخلاق في ما بين الأرجل، وهي أكثر تعقيدا وأهمية من ذلك. إنني لا أطالب بالاستسلام، ولكن علينا قبل أن نرمي صاحب الاقتراح بقنادرنا أن نفكر ونتساءل: هل لدينا البديل، فلسطينيا، عربيا أو إسلاميا؟

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top