دور عبدالله السالم

صدرت صحف يوم 3 مارس 1965 وعلى صدر صفحتها الأولى الخبر التالي: طالب عدد من أعضاء مجلس الأمة في جلسة اليوم السابق بعدم تطبيق قانون إلزامية التعليم على الفتيات، نظرا لمخالفة ذلك للعادات والتقاليد السائدة في البلاد. وبعد مناقشة استمرت أكثر من ساعتين قرر المجلس رفض ما طالب به بعض الأعضاء، وأقر مشروع إلزامية التعليم على البنات والبنين.

***

كان ذلك قبل 55 عاما، ولو طرح القانون نفسه للنقاش ثانية في مجلس الأمة الحالي لتطلب الأمر أيضا ساعتين كاملتين لوصول الأعضاء لقناعة بضرورة الاستمرار في جعل إلزامية التعليم للجنسين، فالحقيقة إن تطورا كبيرا لم يطرأ على عقول الغالبية. عاصرت شخصيا التطور الجذري، الذي شمل التعليم النظامي في الكويت مع بداية تدفق عائدات البترول، ونهاية الحرب العالمية الثانية. كان بإمكان أسرة الحكم حينها الاحتفاظ بعائدات النفط كاملة لنفسها، وصرف الفتات على التعليم، فلم يكن ذلك الأمر يمثل جانبا حيويا يستحق الالتفات له حينها، وربما لا يزال الأمر كذلك عند البعض. ولكن ما حدث إن تربية النشأ أخذت جانبا حيويا من اهتمام الحكومة، وأفراد مستنيرين من أسرة الصباح، حينها. فقد أولوا، وبمساهمة كبيرة من شخصيات وطنية مخلصة، التعليم أهمية قصوى، بخلاف ما حدث في المجتمعات الخليجية الأخرى. فقد كان الإصرار واضحا على الاهتمام بصحة النشء البدنية والعقلية، ودفع المجتمع نحو المدنية بشتى الوسائل العصرية. فكان من الضروري الاستعانة بمناهج وهيئة تدريس من مجتمعات عربية أكثر تطورا وانفتاحا، ما كان له من إثر إيجابي على الجميع. كما كان الاهتمام كبيرا بالصحة النفسية والجسدية لكل طلبة مدارس «المعارف»، الذي تمثل في تقديم وجبات طعام غنية بكل العناصر المهمة، وفي الإصرار على ارتداء الطلبة ملابس عصرية، التي كانت توزع على الجميع مجانا، صيفا وشتاء، مع الأحذية، وكانت تصرف للمواطن والمقيم، ومن مختلف الجنسيات. كما لم تتردد الحكومة في الصرف على بناء أفضل المدارس، ولا تزال مباني بعضها، ومنذ أكثر من سبعين عاما، قائمة تشهد على جدية الصرف والأمانة في البناء، وجمال التصميم. كما حرصت الدولة على تقديم مختلف المغريات لجلب خيرة المدرسين العرب، من فلسطينيين ومصريين بالذات، للتدريس، وكان لهم دور رائع في التربية والتعليم، وبقي عدد منهم في الكويت، وحصل على جنسية الدولة نظير جميل خدماتهم. كنا ننتظر بشغف إفطار الصباح، وشوربة «المعارف»، خاصة في فصل الشتاء. ولا يزال طعم سندويشات المدرسة تحت لساني. وكان نصيب الكثير من الطلبة من الفواكه ينحصر فيما كانوا يتناولونه منها في المدرسة، ربما بسبب عدم إيمان آبائهم بفائدتها، أو بسبب عدم توفرها في بيوتهم لارتفاع ثمنها.. نسبيا. وكان حليب ومنتجات الألبان الأخرى تصرف للجميع بنفس النوعية والكمية، سواء كنا من العامة أو أبناء الحكام أو المدرسين والفراشين، لا فرق بين فئة وأخرى، ولا يزال ذلك الشعور الطيب بالمساواة والأخوة هو الذي يكتنف أفئدتنا. volume 0% لقد كانت قيادة مستنيرة تلك التي فكرت في تنشئة أجيال ما بعد النفط، وكان للشيخ المستنير، الراحل عبدالله السالم وأفكاره الليبرالية الدور الأكبر في الكويت الحديثة. يقول وزير تربية سابق ومميز، تعليقا على ما سبق أن كتبته من أن لا أمل لنهوض أمة بغير تعليم حديث، إن التعليم في الكويت بحاجة الى اهتمام وحصانة من الأعلى. فما يحصل لبعض المشاريع، التي يقوم الديوان بالاهتمام بها بعد أن عجزت الاشغال، يدعو الى أن يشمل الديوان التعليم باهتمامه!

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top