لا أمل..!! (2 ــ 2)

ذكرنا في مقال الأمس أن لا تقدم حضاريا أو خلقيا أو صناعيا يمكن أن يتحقق في أي مجتمع بغير تعليم مميز، فبغيره لا ينفع مال ولا بنون ولا تناول أطنان الصمون. نكرّه الطفل في المدرسة، ومن خلال مناهجنا نطلب منه الحذر من الكفار وعدم التشبه بهم، سكنا ولبسا وطعاما، وعدم مشاركتهم أعيادهم، وتحريم الترحّم عليهم، ونجعلهم مصدر كل الشرور، ثم يكتشف الصبي، أو الصبية، أن الكفار هم الذين بنوا بيته وزينوا غرفة نومه، وذهبوا به الى مدرسته بمركباتهم، ووضعوا التليفون النقال في جيبه، وصنعوا ملابسه واستخرجوا نفطه وكرروه، وجعلوا مياه بحره المالحة قابلة للشرب، وصحراءه القاحلة قابلة للزراعة، ومعدنه الخردة قابلا للطيران، ومرض أمهم قابلا للشفاء، فماذا نتوقع أن يحدث لعقل هذا الصبي في ظل كل هذا التضارب في الأفعال والأقوال، بين ما يسمع ويعلم ويفهم ويرى؟ إن مجتمعاتنا، وبسبب مناهجنا وطرق تربيتنا، تقيم عمل الإنسان ومكانته وصلاحه من خلال ما يؤديه «علنا» من فرائض دينية. فحضور الصلوات وتقدم صفوف المصلين، والتهجد في المساجد، وإطالة اللحى وتقصير اللباس أهم وأكثر استحسانا من إفناء النفس والوقت وبذل الجهد في المعامل والمختبرات بحثا عن مصل مفيد أو دواء فريد. في بنغلادش، الدولة الإسلامية الأكثر فقرا، التي يبلغ عدد سكانها 160 مليونا، يمرض أو يموت سنويا مئات آلاف الأطفال بسبب سوء التغذية، رفض «علماؤها»، من أصحاب الخدود الممتلئة صحة وعافية، افتتاح بنك لتقديم حليب الأم المتبرع به للرضع، بحجة الخوف من اختلاط الأنساب، متجاهلين تماما القاعدة التي تقول بإباحة المحظورات عند الضرورة، ونحن في الكويت وبقية دولنا لسنا أفضل منهم، فقد حيّدنا الضروريات القصوى، واتبعنا النصوص دون فهم ولا تفكير، فكان مصيرنا التخلف. ولا يحتاج المراقب الى جهد كبير لمعرفة مدى تخلف مجتمعاتنا، فكل ما هو مطلوب منه هو النظر الى ما يحدث في منطقة واحدة ليرى نموذجا مصغرا للمأساة، وخاصة وضع المرأة والطفل الأكثر من مأساوي، وكل ذلك بسبب نظم التعليم المتخلفة تماما. لقد حاول بعض المسؤولين عمل شيء بخصوص تغيير المناهج بصورة جذرية، ومنهم الأستاذة موضي الحمود، وزيرة التربية السابقة، التي سعت وأسست «المركز الوطني لتطوير التعليم»، وعينت شخصية مميزة لإدارته، ولكن قوى التخلف والطائفية رأت في وجوده خطرا، فقامت بتحييد عمل المركز، وتهميش دور إدارته قبل التخلص منها تاليا. كما قامت الوزيرة الحمود بدعوة البنك الدولي الى النظر في العملية التربوية من منظور دولي، وطالت المفاوضات مع البنك، إلى أن وصل الاتفاق لمراحله النهائية في عهد الأكاديمي والوزير السابق الأستاذ بدر العيسى، الذي لم يتردد في توقيع عقد بعشرة ملايين دينار مع البنك لتطوير منظومة التعليم، على فترة 4 سنوات، ولكن كل دراسات البنك انتهت الى سلة المهملات على عهد الوزير التالي، من دون سبب معروف. من كل ذلك نستنتج الأمرين التاليين: الأول: أن للتجارة في هذا الوطن أباً، وللبورصة أباً وأماً، ولكرة القدم أباً وأماً وأختاً، وللمناقصات آباء، وللمقاولات أبوات، ولكن التربية، الأهم من الكل، يتيمة، بلا أب ولا أم. ثانيا: في غياب أي سياسة حكومية ملزمة وبرنامج زمني لتطوير التعليم جذريا، فإن أي كلام يتعلق بتحقيق تقدم حقيقي على أي صعيد، بخلاف صعيدي القبلية والطائفية، لا معنى له، وهذا يعني باختصار.. أن لا أمل لهذه الأمة في أن تنهض يوما! 

***

ننتهز حلول عيد ميلاد السيد المسيح لنتقدم بالتهنئة الى كل أتباع الكنائس الشرقية بهذه المناسبة السعيدة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top