الفائدة.. عندما تصبح هبة من الدولة

أحالت الحكومة إلى مجلس الأمة قبل فترة مشروع قانون يتعلّق بإنشاء هيئة رقابة شرعية عليا في داخل البنك المركزي، مهمتها إبداء الرأي الشرعي في ما يحال إليها من مسائل، كما سيناط بالهيئة حسم أي خلاف قد يطرأ بين أعضاء هيئة الرقابة الشرعية في أي بنك إسلامي. ويهدف الذين يقفون وراء هذا المشروع إلى وضع حد لتضارب الفتاوى والآراء والتنافس بين الهيئات على من هو الأصح. مشروع هذا القانون أعادني ربع قرن إلى الوراء، عندما تبين لي أن أول بند على جدول أول اجتماع لمجلس الإدارة الجديد لأحد المصارف تعلّق بالموافقة على فتح وحدة مصرفية «إسلامية» داخل البنك، غير الإسلامي، تماشياً مع موجة الصحوة الإسلامية التي كانت في أوجها في ذلك الوقت. عارضت القرار بشدة، وقلت إن علينا تحكيم المنطق، فإما أن عملنا في المصرف غير شرعي، وعلينا بالتالي التحول إلى مصرف «إسلامي»، أو أن ما نقوم به سليم لا غبار عليه، وعلينا بالتالي الاستمرار في عملنا وترك «اللعب على الحبلين»! وهكذا مات المقترح في مهده، وطويت صفحته في ذلك البنك حتى يومنا هذا. ولكن مع ارتفاع عدد المؤسسات التي تتبع الشريعة في أعمالها، أو هذا ما تقوله، ووجود هيئة شرعية في كل واحدة منها تتكون من عدد لا يقل عن السبعة من رجال الدين، وخضوع أغلبية أعضاء هذه الهيئات لما يصرف عليهم، فقد اكتشف المشرع أو البنك المركزي الخلل الذي طالما حذّرنا منه، وقرر التدخل ووضع حد للممارسات غير السليمة والتي أثارت التساؤلات لدى الكثيرين. volume 0% this ad will end in 13 منذ أوائل الستينيات وأنا أعارض تأسيس مصارف على النمط الديني، والتي سميت تجاوزاً باللاربوية، فليس في الإسلام أو أي دين آخر - بتقديري - ما يكفي من نصوص لخلق نظام مصرفي متكامل يمكنه تغطية كامل عمل مثل هذه المؤسسات المالية، وما وجد من قواعد، ونظم متواضعة، تعود في أغلبيتها لآراء فقهاء مجتهدين، وعمل كل منهم يتعارض مع غيره، وليس لأقوالهم أي نوع من القدسية، وبالتالي تمت تغطية هذه الثغرة الخطيرة بفكرة وجود «هيئات شرعية» داخل كل مؤسسة إسلامية يكون دورها تفسير وتبرير ما هو لمصلحة أصحاب المؤسسة، وهذا هو الوضع الطبيعي. وهناك حادثة طريفة حدثت بعد التحرير من الاحتلال الصدامي عندما تبين للحكومة أن المصارف ستتعرض إلى خطر العجز التام إن لم تتدخل وتقوم بشراء مديونياتها، من قروض أو تسهيلات مصرفية، وهذا ما تم، حيث قام البنك المركزي بشراء تلك المديونيات، وإعطاء كل بنك فائدة، بسعر السوق عليها، أي على إجمالي المديونية. وهنا أسقط بيد البنوك اللاربوية، فقوانينها الشرعية تمنعها من قبول فوائد دائنة على قروضها أو ودائعها للدولة! وهنا تم اللجوء إلى الهيئات الشرعية التي خرجت بتفسير يسمح بكسر القاعدة الفقهية وقبول الفائدة باعتبارها «هبة من ولي الأمر»، وليست فوائد!

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top