عسل الأغلبية الجاهلة

منذ اكتشاف المسدس، الذي حول الجبان إلى بطل شجاع، لم يوضع سلاح بيد جاهل، يغطي به جهله مثل «الواتس أب»! فقد حولت هذه الوسيلة الشخص الخجول والجاهل، الذي يميل للصمت في الجلسات، لشخص مطلع ومفت وخبير في الكثير من الأمور، والمؤسف، أو المرعب بالفعل أن نسبة من يصدقون ادعاءات أو خزعبلات هؤلاء كبيرة وخطيرة بالفعل، ويصبح الأمر بحجم الكارثة مع المفتين في الدين، فأتباع هؤلاء بالملايين، ويبلغ الالتباس ذروته عندما تتضارب فتاوى رجال الدين في الموضوع الواحد، وتجد كل مفت يروج لصحة فتواه! فقد انتشر فيديو قصير حذر فيه صاحبه المسلمين من تناول البطاطس المقلية والسمك fish & chips، وهي أكلة شعبية إنكليزية يميل لها المسلمون لاعتقادهم أنها الأكثر ضمانا دينيا. وبرر هذا المدعي كلامه بأن البطاطس أو الشبس تُقلى بالبيرة، وبالتالي فهي محرمة. هذا طبعا كلام غبي، فلا يمكن غلي السمك بالبيرة لأنها تتبخر بسرعة هائلة، ولا تعتبر مثل الزيت مادة موصله للحرارة. كما أن ثمنها مقارنة بكل أنواع زيوت القلي باهض، فمن المجنون الذي سيستبدل الزيت الرخيص بالبيرة الغالية؟ ولكن الآلاف صدقوا كلامه وتوقفوا عن تناول هذه الأكلة! تتميز الغالبية في أي مجتمع بميلها للسطحي من الأمور وعدم الاكتراث بالتدقيق في صحة ما يصلها من معلومات، فالتدقيق والتمحيص يتطلبان غالبا جهدا لا يود الكثيرون بذله، وهم أصلا «بطاليه»! ولكن هذه الغالبية تتفاوت نسبيتها ونوعيتها من مجتمع لآخر، وهذا يدفع الحكومات أو النخب المتعلمة ووسائل الإعلام المستنيرة في المجتمعات الأقل تعليما من غيرها للتدخل للحد من سوء استغلال البعض لهذا الجهل للترويج لمنتجات ضارة أو خدمات غير موجودة أصلا. وكان لافتا منذ فترة زيادة في عدد الجهات التي أصبحت تسيء استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأفكار أو منتجات طبية أو تجميلية نسائية غير حقيقية أو مضمونة النتائج، وهذا ما دفع وزارة الصحة، بعد مطالبات عدة، للتدخل وإحالة عدد من «مشاهير السوشيال ميديا» للنيابة العامة للتحقيق معهم فيما نسب لهم من مخالفات لقانون تنظيم الإعلان وقيامهم بالترويج لمواد متعلقة بالصحة بطريقة غير سليمة. ووجبت هنا الإشادة بموقف الدكتور عبدالله البدر، وكيل وزارة الصحة المساعد للرقابة الدوائية، لدوره الحازم في وقف هذه التجاوزات. كما نود الإشارة هنا الى ما دأب عدد من الأطباء على القيام به، ومنهم وزراء صحة سابقون، من الاستمرار في نشر إعلانات ترويج عياداتهم في الصحف والسينما ووسائل التواصل، والدعاية لأنفسهم، وما يتضمنه ذلك من مخالفة صريحة لأخلاق مزاولة هذه المهنة الفائقة الأهمية، وضرورة قصر إعلانات الأطباء على مسائل تغيير العنوان.. مثلا. volume 0% this ad will end in 4 كما أن على هيئة الغذاء تفعيل أدواتها ومحاربة من دأبوا على الترويج لمنتجاتهم الغذائية والادعاء بأنها تشفي من بعض الأمراض، خصوصا الذين يدعون أن عسلهم به شفاء، ويمثل معجزة حقيقية، وقد يكون مطعَّما بمواد طبية كالكورتيزون، وبالتالي قد يكون ضرره أكثر من نفعه، إن كان فيه أي نفع أصلا، خصوصاً ضرره على من لديهم حساسية من مواد معينة، أو مصابون بمرض السكري. كما انتشرت تغريدة على لسان بيل غيتس، صدقتها الجماهير الجاهلة من دون تفكير، التي تضمنت إشادة كاذبة بطريقة استفادة المسلمين من لحوم الأضاحي!

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top