مراوغة من كانوا كباراً

أثار مقالي عن «طلال أبو غزالة» قبل أيام شجون الكثيرين، وفتح جروح البعض الآخر، وأعاد ذكريات، أغلبيتها مؤلمة، لفريق ثالث، خصوصاً ممن عاصروه في فترة السبعينيات. ووردتني ردود من رجال أعمال وسياسيين كبار، حاليين وسابقين، عندما كان أبو غزالة في أوج سطوته «المحاسبية»، بعد أن خلت الساحة لمكتبه بخروج لاعبين كبار وصدور مرسوم بقانون، يقال إنه كان وراء صدوره، والذي منعت فيه الحكومة تأسيس أي مكاتب محاسبة جديدة، حتى للمؤهلين من كبار المحاسبين وموظفي الدولة، من دون نجاحهم في اجتياز اختبار محاسبي صعب، خصوصاً لمن لم يمارس المهنة لسنوات طويلة، كالأستاذ الجامعي أو وكيل الوزارة مثلاً! يقول أحد هؤلاء في رسالة له إنه عاصره في الكويت في السبعينيات من القرن الماضي، قبل أن يتركها مع الغزو والاحتلال، وشاهد الرجل في قمة نجاحه، وكيف تمكن من انتزاع جميع عملاء «سابا وشركاه» تقريباً، لمصلحة مكتبه الجديد، وليس في ذلك ما يعيب بالطبع، وكيف أعلن في أحد الأيام عن تبرّعه لإعادة بناء مبنى في الجامعة الأميركية في بيروت، ما دفع الإدارة إلى وضع «يافطة» تحمل اسمه، وعندما لم يوفِ بوعده نزعت «اليافطة» عن المبنى، بعد أن حققت الدعاية هدفها. وادعى آخر أن «فكرة» إنشاء الشركات المقفلة كانت من بنات أفكاره، وكانت دراسات الجدوى الاقتصادية لها جاهزة ومعلّبة لديه لأي مشروع، ولم يكن الأمر يتطلب غير تغيير اسم المشروع الجديد، وأسماء المؤسسين الجدد لتكون الجدوى جاهزة. وقيل أنه كان «متساهلاً» جدّاً في موضوع تفصيل ميزانيات الشركات التي كان يدقق حساباتها، وغالباً وفق رغبة العميل، وكان له دور سلبي في وصول الأمر حينها إلى ما عرف تالياً بأزمة المناخ. قد لا تكون كل هذه الأمور صحيحة أو مهمة، ولكن ما آلمني هو انزلاق رجل بحجمه وعمره في نشر ادعاءات لا تمت للحقيقة بصلة، كقوله إن الولايات المتحدة الأميركية قد أعلنت في 14 أغسطس 2019 دخولها مرحلة الركود، وهذا خبر بحجم الكارثة لاقتصاد أي دولة، وللعالم أجمع! ففي تقرير نشرته وكالة الاستيوشتد برس يوم 26 ــــ 8 ــــ 2019، تبيّن أن %74 من رجال الأعمال والاقتصاديين في الولايات المتحدة لا يشعرون بالقلق الكافي بشأن مخاطر بعض السياسات الاقتصادية للرئيس دونالد ترامب، ويتوقّعون حدوث ركود مع نهاية عام 2021. وربما لن يحدث شيء، فهذا ليس موضوعنا، بل الادعاء الخطير أن أميركا قد بدأت بالفعل دخولها الركود! وفي محاولة لتلافي الأمر، قام السيد طلال، مشكوراً، بإرسال رسالة إيميل شكرني على ما كتبته في «مقدمة مقالي»، وتناسى كلياً ما أوردناه في نهاية المقال. وأضاف انه لا يدعي امتلاك الحقيقة، وما ذكره لم يتعدّ توقعات مبنية على دراسات ووجهات نظر. فرددت شاكراً له سرعة رده، وبأنني لم أتكلم في مقالتي عن توقّعاته، فليس هناك حساب على ما يتوقعه المتوقعون، ولا ما يتنبأ به المتنبئون، ولكني كنت معنياً في مقالي، وأنا المستثمر في السوقين الأوروبية والأميركية، بحقيقة ما أورده من «إعلان» الولايات المتحدة في 14 ــــ 8 ــــ 2019 دخولها مرحلة الركود!! فهذا غير صحيح، وبعيد تماماً عن الواقع، هذا غير خطورته على الأسواق. وطالبته في رسالتي إما يبيّن مصدر معلوماته، وإما أن يعتذر، وهذه من شيم الكبار! إلا أنه استمر في مراوغته، قائلاً إن غداً لناظره قريب! وكأني مختلف معه على الغد، وليس على صحة مصدره!

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top