مبادرة وفاء جميلة

من منطلق الوفاء للكويت، وبمناسبة احتفالات الكويت الأخيرة بعيدي الاستقلال والتحرير، قررت القائمة بأعمال السفارة اللبنانية في الكويت، السيدة نسرين بوكرم، إقامة حفل جميل لمشاركة الكويت في أعيادها، وهذه حسب علمي مبادرة غير مسبوقة ورائعة. تخللت الحفل فقرات من الزجل اللبناني والشعر النبطي، وفقرة مميزة للزميلة إقبال الأحمد، عبرت فيها بطريقتها الخاصة عما يعنيه لبنان لها. كما ألقى بعض قدماء أبناء الجالية اللبنانية في الكويت كلمات تحدثوا فيها عن تجاربهم، وكانت لي كلمة قصيرة في تلك المناسبة، تطرقت فيها لعلاقتي الطويلة مع لبنان، التي تعود لأكثر من ستين عاما. ومن وحي تلك المناسبة خطرت لي الكلمات التالية: انهارت كل العواصم العربية العريقة، ومنها بيروت، واصبحت في أشكالها وأوضاعها الحالية لا تمت لسابق عهودها بصلة. كانت بيروت، بيروت المسلمين والمسيحيين، شيئا جميلا يوما ما، ولكنها أصبحت مقسمة ومليئة بقصص الحزن والألم، يقتلها ازدحام المرور وضياع ملايين الساعات هدراً في أزقتها الضيقة وشوارعها المهترئة، وجوها الرطب والخانق الملوث بمختلف الأدخنة، دع عنك انقطاع الكهرباء عنها لما يقارب نصف اليوم… كل يوم، وعدم صلاحية مياه الشرب فيها، ولكنها تبقى، بالرغم من كل ذلك تتمتع بسابق عبقها وتاريخها، عجوز، ولكنها جديرة بالاستماع لها والاستمتاع بصحبتها، والوقوع في غرام حرياتها، والتعلق بدورها العتيقة ومطاعمها المميزة، وخدماتها التي لا تضاهى، بالرغم من كل ما مرت به من «تعتير» وبهدلة تسبب بها اشقياء الوطن، وزعران الحواري وقبضايات السياسة. في بيروت وحدها لا تشعر أنك في مدينة مسلمة أو مسيحية، بل هي في السلم وطن للجميع، ففيها تتعايش الأضداد والمذاهب والثقافات والديانات والحضارات هي مدينة أكثر الناس أناقة وزهوا بأنفسهم، وأكثر المدن في عدد المتسولين، النصابين في غالبيتهم. بيروت لا تعرف الوسط، إما أن تحبها بشدة، أو تكرهها بشدة، ففيها أفضل الأطباء، وفيها أكثرهم احتيالا، وفيها أفضل الجامعات بجانب دكاكين التعليم، وفيها أحسن المستشفيات، وفيها أسوأ دور الاستشفاء التي قد تمر بها. عرفت بيروت عندما كان الدولار يساوي ليرتين وربع الليرة، وعرفتها والدولار الواحد بثلاثة آلاف ليرة، قبل ان يستقر عند الـ1500 ليرة، ولا نعلم ما سيحدث لليرة إن رحل «ابن سلامة» من مصرفه؟ إن كنت تعرف شيئا، أو تعتقد أنك مطلع فستجد فيها من يفهم أكثر منك بمراحل، حتى في تخصصك. وإن كنت لا تفهم، فستجد من يواسيك بقلة فهمه! هي بيروت، بعنفها وجمالها وخراباتها، ودمويتها حتى مع أكثر أهلها إخلاصا، وعشقها للغريب معروف، فهذا قدرها، فهي عنوان الحب، والسهر والسمر، وما بعد ذلك. بيروت هي الزمن، هي المأوى للمشرد، هي القمة للمبدع، وهي لأهلها ما بقي من أمل، وهي بالنسبة لي فاطمة، والجامعة وتيريز ومنى وكابي واستيفان، وفيليب وكلود، وحسن، وكميل، ومقاهي الحمرا، وحانات الروشة، وشقaة الكومودور، وبيت الصيداوي وعائلة فواز، ومستشفى الجامعة، وكل من بقي فيها من رفاق.. وأحبة. ملاحظة: ذكرت في مقال الاثنين الماضي أن «المرحوم مرزوق المرزوق» كان ضمن أعضاء اللجنة الشعبية لجمع التبرعات.. والحقيقة أن العم مرزوق حي يرزق. نعتذر له ولذويه عن هذا السهو، ونتمنى له الشفاء العاجل وطولة العمر. أحمد الصراف

 

الارشيف

Back to Top