هذه هي الحقيقة المخجلة

لم تكن كوريا، حتى خمسينات القرن الماضي، سوى دولة هامشية غير صناعية، وشبه متخلفة. وكانت خلال حروب المنطقة الضحية الأكثر إغراء لدول المنطقة الاستعمارية الكبرى.
لم يشتهر عنها شعراء كبار أو فنانون عظام أو مخترعون يشار لهم بالبنان، ولم يزرها دعاتنا ولا تؤمن بالأساطير، ولم تدخل قصص ألف ليلة وليلة مخيلات أبنائها، وخسرت تقريبا كل حروبها، ومع هذا تغيرت مع الوقت ومن خلال اتباع أفضل أساليب التعليم وبكفاءة أبنائها استطاعت أن تخلق شركات بحجم «سامسونغ»، التي شيدت «برج خليفة» في دبي، وبرجي ماليزيا، الأعلى في العالم، هذا غير كونها الإمبراطورية الصناعية الأكثر ضخامة في تنوع منتجاتها من الأجهزة المنزلية إلى الهواتف النقالة، والسيارات ومحركات الطائرات النفاثة، والساعات اليدوية، هذا غير أنشطتها الصناعية والإنشائية في أكثر من 60 دولة أخرى، وما تديره من معاهد علمية ومدارس، وحتى حدائق حيوانات ومتنزهات أطفال ومشاف ومراكز علاجية وفنادق، ومنتجعات سياحية، ودخلت حتى في إنتاج الملابس الجاهزة، وغيرها من الصناعات الضخمة كصناعة ناقلات نفط والمنتجات الحربية من دبابات وطائرات حربية من دون طيار، وروبوتات مراقبة تستخدمها الجيوش ولديها القدرة على تحديد الهدف والقضاء عليه.. وسامسونغ ما هي إلا شركة من عشرات أخرى مماثلة لها.
كل هذا لا يهمني، فنحن سنصل لمستواهم يوما، وتحديد اليوم ليس مهما، فما يهمني هو التالي من حقائق:
أولا: بخلاف أقليات دينية صغيرة أقواها المسيحيون، فإن غالبية الشعب الكوري لا يعرف أو يؤمن بيوم الحساب، وهم يعملون ليومهم وغدهم، ومستقبل ابنائهم واحفادهم ووطنهم.
ثانيا: لا قدرة لكل دولنا، من دون استثناء، على التفوق على أي من شركات كوريا، وفي اي حقل كان.
ثالثا: لا تنفق جميع دولنا ما تنفقه كوريا على الأبحاث الطبية غير الربحية، دع عنك ما تصرفه على غير ذلك من ابحاث.
رابعا: تمتلك سامسونغ وحدها مراكز بحوث جينية ستحدد مستقبل الجنس البشري، ونحن ليس فقط لا نعرف عن هذا الموضوع شيئا بل نحرم حتى الحديث عنه.
كنا نكتفي دائما بإلقاء اللوم لتخلفنا على الاستعمار، متناسين أن كوريا كانت يوما مستعمرة، والهند بقيت مستعمرة لمئة عام، والصين فتك الأفيون بنصف شعبها والنصف الآخر كان تحت خط الفقر، وجميعها نهضت وأصبحت ضمن اكبر اقتصادات العالم.
نعم لدينا ملايين البقر والماعز، ولكن أطفال دولنا ينامون بلا حليب، والنيذرلاند (هولندا) لديها عُشر ما لدينا من بقر، ومع هذا تطعم العالم حليبا وزبدة وأجبانا، فما أجبننا عن مواجهة قلة أجباننا.
كما تنفق غالبية دولنا أموالها، أو التي لم تسرق منها، على شراء الأسلحة لكي تحافظ على أنظمة الحكم فيها… هذا أولا. ولكي تحارب بها أشقاءها… هذا ثانيا. ولكي تدافع بها عن أوطانها يوما… إن بقي وطن يستحق الدفاع عنه!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top