جريمة الوزيرة جنان

تسلمت وزيرة الاشغال منصبها قبل شهرين تقريبا، وفي أسوأ مرحلة تمر بها الوزارة في تاريخها، فلم يسبق لوزير أن تقلد منصبا عليه كل هذا الهجوم، حتى القبس المشهورة برصانتها لم تتأخر عن مشاركة الشارع شكواه، وانتقاد وضع الطرق المأساوي.
في بلد تتحكم به الإشاعات، ويتقبل الأكاذيب بسهولة، أنا مجبر على نفي أي علاقة تربطني بوزيرة الأشغال، غير اتصال هاتفي أو اثنين، أكدت فيهما ما كان يدور برأسي من آراء عن حقيقة الوضع، فتضامنت معها، ولا أزال. وإليكم هذه الحقائق:
1. تسلمت الوزيرة مهامها وفوجئت بأن الوزارة تخلت منذ سنوات عن وظيفتها الرقابية على الطرق، وسلمت ما تبقى من قرار لها، بعد إنشاء هيئة الطرق، لشركات المقاولات التي أصبح بعضها يمتلك مصانع الاسفلت، ولديها في الوقت نفسه مختبرات فحص الاسفلت، وتقوم بنفسها بتأكيد صلاحية ما تنتجه من أسفلت، ثم تقوم تاليا بتبليط الطرقات على هواها، من دون إشراف أو رقابة… وهذا لا يحصل حتى في أكثر الدول فسادا.
2. يعمل المئات في مختبر الطرق الحكومي، ولكن هذا المختبر تخلى عن وظيفته، وأصبح لا دور له غير قبض الرواتب.
3. تسببت حركة «التكويت» السريعة، أي إحلال المواطن، شبه منعدم الخبرة، محل الخبير الوافد، من دون ترك مجال لتدريب الكوادر الجديدة، في خلق فراغ خطير دفعنا جميعا ثمنه.
4. يعمل في الاشغال 14500 موظف، يوجد أكثر من نصفهم في إدارة الصيانة، وغالبية هؤلاء لا عمل لهم، وتم تعيينهم بالواسطة!
5. إنشاء هيئة الطرق عقد المشكلة، وسهل في ضياع المسؤولية بسبب تداخل الصلاحيات، وقيام كل جهة بإلقاء مسؤولية الكارثة على الأخرى.
6. قيام جهة ما بإلغاء الرقابة على وزن الشاحنات القادمة براً دفع شركات الشحن الى تحميل الشاحنات ضعفي ما هو مسموح به، وكان لذلك أثره التخريبي على الطرقات.
7. إصرار إدارة المرور على عدم غلق الطرقات لأكثر من ست ساعات، بعد الانتهاء من تبلطيها، بدلا من الـ12 ساعة الضرورية.
على ضوء كل هذه المعوقات كان امام الوزيرة أحد خيارين:
أ‌. صرف عشرات الملايين فورا، وإعادة صيانة كل شوارع الكويت، وإرضاء أو إسكات الجميع، والضحك علينا. لتنكشف الخدعة أو المأساة بعد فترة، وتكون هي قد خرجت من الوزارة، ويصبح حالها حال كل من سبقها من وزراء، فلا حساب ولا عقاب.
ب‌. أو…. وقف تبليط الشوارع تماما، ودراسة كل ما ورد أعلاه ومعالجة المشكلة جذريا بالتعاون مع معهد الأبحاث ووزارة الدفاع وجهات أخرى، مع الاستعانة بخبرات الدول الخليجية، وانتزاع موافقة المرور على تمديد إغلاق الطرق، او الحارات لاثنتي عشرة ساعة، وإحياء أعمال مختبر الطرق، وفرض الرقابة الحكومية على أعمال الرصف، وإعادة النظر في طريقة خلطة الاسفلت، بحيث تتم عملية التبليط بشكل سليم ولا تعود المشكلة للظهور مع أول زخة مطر قادمة.. وكل هذا تطلب وقتاً، وتم الانتهاء منه تقريباً، وستباشر الوزارة بالتبليط خلال أقل من شهر.
نعم يجب أن نشعر بالخجل، من أنفسنا وأمام ضيوفنا، ليس فقط من وضع طرقات الكويت البائس، بل بسبب عمق ما وصل له الفساد داخل الجسد الحكومي المترهل. يجب أن نشعر بالخجل بالفعل لأننا شاركنا جميعا تقريبا في إيصال الوضع لما هو عليه، بانتخابنا للأسوأ ليمثلنا، وسكوتنا عن سرقات مسؤولين، وطبطبتنا على ظهر كل وزير اشغال سابق، وترحيبنا بهم في كل ديوانية، ومجاملتهم في كل لقاء، وكانت النتيجة الطبيعية أننا وصلنا الى الوضع الذي نحن فيه الآن، فلا محاسبة ولا عقاب، واستمرار اللامبالاة الشعبية وانشغالنا بالتوافه، وجعل قضية، كإسقاط القروض مثلا، أكثر أهمية من محاربة الفساد والخراب!
أعيد وأكرر للمرة العاشرة أن مشكلة شوارع الكويت، وبقية مشاكلنا الصحية والإدارية، هي نتيجة فساد ذمم وخراب نفوس وقلة خبرة وحرمنة طالت كثيرا، وجميع هذه المشاكل المستعصية لا يمكن حلها بجرة قلم خلال شهرين، وبالتالي أنا مع الوزيرة في خيارها بالتأني وعدم الاستعجال في عملية التبليط، بأي طريقة كانت، فقط لإسكات المعترضين، الذين قد يكون وراء البعض منهم مستفيدون من بقاء الوضع على ما هو عليه.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top