مبنيا البنتاغون والأوقاف

يعتبر مبنى البنتاغون، أو وزارة الدفاع الأميركية أكبر مبنى حكومي في العالم، حيث تبلغ مساحته 600 ألف م2، واشتق اسمه من شكله الهندسي ذي الأضلاع الخمسة. ولو نظرنا لمبنى وزارة الأوقاف الكويتية، الذي بني على طرف الدائري الرابع، الذي شذ بشكله وموقعه عن كل وزارات الدولة، لوجدنا أنه أكبر مبنى لوزارة دينية في العالم، مقارنة بحجم السكان ومساحة الدولة، وحجم المبنى بحد ذاته يشكل دليلا على حجم الهدر، وكيف تحولت إلى دولة داخل الدولة، لها مختلف الأذرع التنفيذية والصرف غير المحدود، ما خلق بيئة قد تكون ملائمة للفساد.
شكل ذلك المبنى المخيف، الذي ستظهر عيوبه قريبا، ذكرني بعبارة تتكرر منذ أكثر من عشرين عاما تتعلق بعدم وجود وظائف تكفي خريجي كلية الشريعة، حيث أدى تضاعف أعداد الدارسين فيها إلى تكدس خريجيها في قطاعات الدولة تحت مسميات بعيدة عن تخصصاتهم، فيما يعاني الآخرون من البطالة منذ سنوات. فقد كشفت احصائية رسمية أن خريجي الشريعة، خلال الأعوام من 2012 وحتى 2016، فاقوا في أعدادهم احتياجات السوق بقدر هائل، الأمر الذي يطرح تساؤلا حول أسباب استمرار قبول المزيد من الطلبة فيها وبما يفوق بكثير الحاجة لهم!
فنسبة المتوقع تخرجهم في قسم أصول الفقه مقارنة مع احتياجات سوق العمل تزيد بنسبة 1531 في المئة، وفي الفقه المقارن تزيد بحوالي 724 في المئة، وفي التفسير والحديث بنحو 202 في المئة، وتزيد نسبة طلبة «العقيدة والدعوة» عن احتياجات السوق بنسبة 94 في المئة. أما عن أعداد الطلبة المقيدين حسب آخر احصائية فقد وصلت إلى 4278 طالبا، بينهم – ويا للهول – 2887 من الإناث! فهل نحتاج لكل هذا العدد من الطلبة؟ أليس هناك عاقل يتساءل عن سبب كل هذا التكالب على الدراسة في هذه الكلية بالذات، والتي ليست بكلية اصلا؟! في الوقت الذي نجد فيه تراجعا واضحا في مستوى الأخلاق بشكل عام، وانتشار الفساد في كل مجال وحال، خاصة بين طبقات محددة من المجتمع؟
إن هذا التكدس في أعداد الطلبة في الشريعة أمر مقلق لأصحاب الضمير، ولا يعني شيئا لبعض نواب الفلس والتلف، الذين تهتز شواربهم لرؤية فتاة تهتز أكتافها في المباركية، ولا يهتز ضميرهم لواقع التعليم الديني المتردي.
اسباب هذا التكالب معروفة، بعد أن سمحت جهة غير رشيدة لخريجي اصول الفقة، وأغلبهم بلا فقه ولا منطق، بالعمل بعد تخرجهم محامين ووكلاء نيابة، وشبح البطالة يحوم حول رؤوسهم، فسوق العمل لا يمكن أن تستوعب كل هذه الأعداد، والغالبية لا يصلحون أصلا للعمل لا في النيابة ولا أن يكونوا محامين أكفاء!
المأساة أن آلاف الوظائف تنتظر هؤلاء في وزارة الأوقاف، أو بنتاغون الكويت، بمختلف اداراتها، إن هي تخلت عن جيش الوافدين فيها. كما أن هناك وظائف لهؤلاء في التدريس، كما بإمكانهم العمل في الامامة والخطابة والوعظ أو العمل كباحثي دراسات اسلامية، وهذا من صميم تخصصهم، ولكنهم لا يريدونها، بل يريدون وظائف معينة، ومن أجلها ذهبوا للشريعة، فهم على غير استعداد للعمل كمؤذنين ولا خطباء ولا أئمة مساجد، ولا نجد بين الكويتيين، وخاصة الأشد غيرة على دينهم، من يقبل العمل في مثل هذه الوظائف، فغالبية من يقوم بهذه الوظائف هم من الوافدين، ووافقت وزارة التربية مؤخرا على إلحاق أبنائهم في المدارس الحكومية، ولا أرى سببا لاستثناء أبناء البقية، ممن يقومون بأداء مهن شريفة من هذا الامتياز.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top