عبد الوهاب.. المسافر مع غيره

تعتبر أغنية «يا مسافر وحدك» واحدة من أجمل ما لحن الفنان محمد عبد الوهاب، أو هذا ما كنت أعتقده حتى الأمس القريب. تقول كلمات الأغنية التي كتبها حسين السيد: يا مسافر وحدك وفايتني ليه تبعد عني وتشغلني….. ودعني من غير ما تسلم وكفاية قلبي أنا مسلم…… دي عنييا دموعها دموعها بتتكلم…… يا مسافر وحدك وفايتني ليه تبعد عني وتشغلني….. على نار الشوق أنا هاستنى وأصبر قلبي وأتمنى…… على بال ما تجيني واتهنى… طمعني فى قربك آه واوعدني… يا مسافر وحدك وفايتني ليه تبعد عني وتشغلني…. خايف للغربة تحلالك والبعد يغير أحوالك….. خليني دايماً، دايماً على بالك…. يا مسافر وحدك وفايتني ليه تبعد عني وتشغلني… مهما كان بعدك حيطول ده انا قلبي عمره ما يتحول… حافتكرك أكتر من الاول بس إنت هيهات تبقى فاكرني… يا مسافر وحدك وفايتني ليه تبعد عني وتشغلني.
لا أدري كم مرة استمعت إلى هذه الأغنية، التي يعود تاريخها لأربعينات القرن الماضي، وكم استمتعت بها، والتي سبق أن غناها عبد الوهاب في فيلم «ممنوع الحب». وسبق أن وصفها ملحنها بأنها أغنية متطورة جداً وصعبة جداً وأرهقه تلحينها كثيراً.
ولكني استمعت قبل أيام، وبطريق الصدفة، إلى أغنية قديمة جداً للمطربة اليونانية الشهيرة صوفيا فيمبو sofia vempo، والتي يعود تاريخها إلى أواخر الثلاثينات، وهي من ألحان اليوناني كوستاس يانيداس kostas yiannides، ووجدت لحنها هو نفس لحن أغنية يا مسافر وحدك بالتمام والكمال، من دون إضافة أو تغيير. كدت أشك بمن أخذها من الآخر، ولكن ما رجح اقتباس عبد الوهاب لها ما وجدته من تجارب أخرى له، كما ظهر في مرجع الإنترنت. فقد سبق أن تأثر الموسيقار عبد الوهاب، كغيره من كبار الفنانين العرب والفرس والأتراك وغيرهم، بالمقطوعات الموسيقية العالمية، واقتبسوا ألحان أشهر المقطوعات الشهيرة ونسبوها لأنفسهم.. ولولا هذه الحقيقة، لقلت إن اليونانية هي التي استفادت من لحن عبد الوهاب، فقائمة اقتباسات «الأستاذ» تطول، بدءاً من أغنية «سجى الليل»، في نهاية أوبريت مجنون ليلى وهي من ألحان الموسيقار كاسيو، مروراً بمطلع أغنية الجندول الشبيهة بسيمفونية شهرزاد للروسي رمسكي كورساكوف، إضافة إلى مقدمة أغنية «القمح الليلة» الشهيرة المأخوذة من باليه «كسّارة البندق» للموسيقار الروسي بيتر تشايكوفسكي، وغيرها الكثير، مثل مقدمة أغنية «آه منك يا جارحني» التي تعتبر من الموسيقى الرومانية الشعبية. كما في أغنية «ياللي بتنادي أليفك» المستندة إلى السيمفونية الثامنة لشوبارت، هذا غير مقدمة أغنية «الميّه تروي العطشان» المأخوذة من «حلاق إشبيلية» للموسيقي رونسييه، ومقاطع مهمة من لحن أغنية «لا تكذبي»، وأغنية «فوق الشوك» لعبد الحليم حافظ التي هي من مقدمة «لحن غربي يعزف في حفلات الشاي»… وغير ذلك الكثير جداً… وهذا ما حصلت عليه من الإنترنت.
ويقول الزميل خليفة الخرافي إنه على الرغم من ثقته بأن الكثير من كبار الملحنين العرب من أمثال عبد الوهاب وفريد الأطرش والرحابنة ثبتت عليهم اقتباسات أو تأثرهم بألحان غيرهم، فإن حسناتهم أكثر من سلبياتهم، فهم ساهموا في رفع مستوى الذوق الفني العربي والشرقي، بشكل عام، وهذا ما لا نختلف معه عليه.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top