في المواطنة والانتماء

دعتني السيدة كوثر الجوعان، رئيسة مركز المرأة للتنمية والسلام للمشاركة في ورقة عن المواطنة والانتماء، وهذا اختصار لما ذكرناه:
الوطنية لها مدلولات متعددة تختلف من مجتمع لآخر ومن فرد لغيره. فهي تعني الإخلاص لوطن ما والدفاع عنه بصرف النظر عن أي عامل. ولكن مع انتشار التعليم وسيادة مبادئ حقوق الإنسان، أصبح مفهوم المواطنة مقيدا نوعا ما.
فالمواطنة تتطلب الشعور بالانتماء لأرض وشعب والاشتراك معهم في المصير المشترك وفي التاريخ والثقافة وفي مجموعة قيم وتقاليد وعادات ولغة وفي عقيدة دينية أو سياسية ما. ولكن هذه المواطنة لن تعني الكثير إن لم تتضمن حق الفرد في تقرير مصيره ومصير وطنه، وحقه في التمتع بخيراته، وشعوره بالمساواة مع الآخرين من خلال عقد اجتماعي، أو دستور، ينظم علاقته بكل مكونات المجتمع. فمن غير المنطقي في العصر الحديث أن نطلب مثلا من المواطن أن يدافع عن وطنه، ويضحي بحياته، إن لم يشعر بعدالة تلك الحرب.
كما ان المواطنة تتطلب نظاما سياسيا عادلا يستحق الدفاع عنه، وحرية وكرامة يستحقان التضحية بالدم والمال والروح من أجلهما، فبغياب المساواة وانعدام الكرامة وفقد الحرية يصبح تراب ذلك الوطن لا يستحق الدفاع عنه.
فعندما قام رئيس وزراء إسرائيل بزيارة لجهاز الاستخبارات، هاله العدد الكبير من العملاء الذين تم تجنيدهم، وتساءل عن السبب، فقيل له إن أنظمة المنطقة، المستبدة في غالبيتها، قتلت في مواطنيها الشعور بالانتماء، فسهل بالتالي تجنيدهم.
كما كان لافتا للجميع، أثناء مرحلة احتلال الجيش الصدامي للكويت عام 1990 عجز قيادته شبه التام عن إيجاد كويتيين يتعاونون معه، في الوقت الذي لم يكن صعبا فيه على الكويتيين شراء ولاء جنود الاحتلال، والسبب أن الكويتي كان يشعر بقيمته في وطنه وإيمانه بنظام حكمه وعدالة قضيته، مقابل الشعور الطاغي بالظلم والحرمان وفقدان الكرامة الذي كان يكتنف فؤاد الطرف الآخر، بالرغم من كل ما كانت تمثله البندقية بيده من قوة.
كما شاهدنا على قناة cnn أثناء حرب تحرير الكويت كيف قام الجنود العراقيون، الذين وقعوا في الأسر بتقبيل أحذية الجنود الأميركيين، على الرغم من علمهم أنهم أصبحوا أسرى حرب، واختصرت تلك القبلات رمزية الحدث المأساوي وحقيقة مشاعر هؤلاء الجنود المساكين، والجانب البائس في نفسية الكثير من شعوبنا. فعلى الرغم مما يعنيه وقوع الجندي في أسر عدوه من بداية معاناته ومهانته وإهدار كرامته، إلا ان تلك الفرقة العراقية التي وقعت في الأسر وجدت في الأمر خلاصها، ونهاية عبوديتها لنظام جائر اجبرها على الدخول في حرب لا يد لها فيها، وكان تصرف أولئك الجنود دليلا على فشل نظام صدام في خلق المواطن السوي.
كما رأينا على مدى السنوات القليلة الماضية كيف حاول ويحاول عشرات آلاف المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط الهروب من أوطانهم والدخول في مغامرات مميتة للوصول للحدود أو السواحل الأوروبية، وقاموا بكل ذلك أملا في حياة افضل وهربا من جحيم دولهم وأنظمة حكمهم التي فشلت فشلا ذريعا طوال عقود عدة في أن توفر لهم الخبز والحرية والكرامة والأمن والأمان، وبالتالي لم يترددوا في ترك الوطن والأهل خلفهم بحثا عن الخبز والحرية والكرامة.
وعلى الرغم من كل ما يقال أو يروج له من ارتباط الدين الوثيق بالوطن، إلا أن هذا المفهوم كثيرا ما تعرض للاهتزاز. وقد أكد كبار المنتمين لحركة الإخوان المسلمين الواسعة الانتشار، صريح معاداتهم للأفكار الوطنية، وتأييدهم للأفكار الدينية في الحكم، وكيف أنهم لا يترددون في تفضيل حاكم مسلم يحكم مصر مثلا، ولو كان ماليزيا، على أن تحكم مصر من قبطي عربي.
وبالتالي نرى ان المساواة الكاملة بين الجميع في المجتمعات المتدينة شبه معدومة، حيث لا يسمح لأتباع الديانات الأخرى بالمشاركة في صناعة القرار، فغير المسلم لا يمكن أن يصبح زعيما أو قائدا للجيش مثلا في كل الدول العربية والإسلامية، مع استثناءات نادرة، وغير ذلك من فوارق شديدة الحساسية تؤثر في صحة انتماء مجاميع كبيرة من مواطني الدول العربية والإسلامية لأوطانهم بسبب شبه انعدام المساواة بينهم وبين الأغلبية، سواء في الحقوق أو في الواجبات.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top