المباريات والانتخابات

أقيمت مباراة قبلية برعاية حكومية صريحة، ممثلة هذه المرة بالهيئة العامة للشباب والرياضة، وعلى أرضها، وبمشاركة جميع عناصر القبيلة الرسمية، نائب برلماني ورئيس ناد وحكم رياضي، والسؤال الذي انتشر على وسائل التواصل: إذا كان هذا حال الرياضة، فلم يُمنع طلبة الجامعة مثلاً من النزول بقوائم وشعارات قبلية؟ ولماذا تمنع الانتخابات الفرعية أساساً؟ فهذه قبلية وتلك قبلية.
لا شك في أن هناك من يسعى إلى التجزئة والتفتيت، وهناك من يستفيد من ذلك، ويتم بوعي من طرف وبغاية من طرف آخر. وما يحصل مع أو داخل قبيلة قد يحصل ما يماثله داخل القبائل والطوائف والأعراق الأخرى.
***
يعتبر النظام الانتخابي في الكويت من النوع البسيط الخالي من التعقيد، وتوصف بالانتخابات المباشرة، حيث يفوز بالكرسي النيابي من يحصل على الأغلبية، حتى لو كانت أصواته أقل من واحد بالمئة، وهذه يمكن بلوغها بسهولة بالاعتماد على أصوات القبيلة أو الطائفة، متى ما تم الاتفاق، بطريقة غير قانونية، على مرشح محدد من خلال الانتخابات الفرعية المجرمة، ليصبح ممثلاً للأمة في البرلمان، وما أكبر نسبتهم في البرلمان. وبتفحص نتائج انتخابات 2009 مثلاً نجد أن أكبر نسبة أصوات حصل عليها الفائز الأول في الدائرة الرابعة لم تزد على %2 من إجمالي الأصوات في الدائرة. وفي عام 2012، حصل الأول على %3 من إجمالي الأصوات، وحصل الأخير على أكثر قليلاً من نصف الواحد بالمئة، علماً بأن ما حصل عليه الفائز بالمركز الأخير في عام 2009 كان أقل من نصف بالمئة (%0.47) من إجمالي الأصوات.
وبالتالي، كيف لنا أن ندعي أن هؤلاء يمثلون الأمة بصورة صحيحة؟ علماً بأن قانون الانتخابات يقول ذلك، وعلينا القبول بالأمر كما هو حالياً.
ومن هذا المنطلق، يقترح البعض أن تجرى الانتخابات في الكويت على مرحلتين، يتم في المرحلة الأولى اختيار أول مئة مرشح من الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات، ثم يتم بعدها انتخاب نصفهم ليكونوا ممثلين للأمة أجمع في انتخابات المرحلة الثانية. ومن شأن هذه الطريقة القضاء بعض الشيء على التأثير القبلي أو الطائفي في الانتخابات، حيت لن يكون بإمكان أي مرشح الاعتماد فقط على أصوات قبيلته أو طائفته ليفوز، بل عليه السعي للفوز بأصوات بقية فئات الشعب في دائرته لتوصيله إلى كرسي مجلس الأمة، وهذا هو النوع المعقد من الانتخابات.
وينطلق البعض في مناداتهم بالانتخاب على مرحلتين، لأن شكل النظام الانتخابي، البسيط الحالي، ساهم في تكريس مفهوم القبلية والطائفية، وبالتالي يجب التخلص منه.
ويقول صديق قارئ إن المصلح السياسي والاجتماعي السنغافوري الكبير «لي كوان يو»، وفي سعي منه للقضاء على الطائفية والعنصرية في سنغافورة، التي يتكون شعبها من أصول صينية وماليزية وهندية، إضافة الى أقليات أخرى أقل عدداً وأهمية، أنه فرض اختلاط الأقليات بعضها ببعض، وعدم السماح بخلق تجمعات عنصرية أو دينية (غيتوهات) لأي عرق كان، فالشقق والمساكن الحكومية يجب أن يكون سكانها من خلفيات مختلطة، تمثل كل شرائح المجتمع، لدرجة منع حتى تمركز أتباع فئتين في مبنى واحد، وبهذا نجح إلى حد كبير في قبول كل فئة للفئات الأخرى، والتعايش معها، ونتج عن ذلك قيام نوع من العلاقات البشرية والصداقة بينها، وتزاوجهم، وعملهم بعضهم مع بعض. أما في الكويت، فقد حصل الشيء ذاته في بداية الحياة الديموقراطية في مناطق كثيرة، سبق أن تطرقنا إليها في مقالات عدة، ولكن بعد ذلك رأت جهات معينة، في سعي منها لتفتيت المجتمع، أنه من الأفضل السماح بالتنظيف العرقي، وإعطاء المواطنين الحق في بيع بيوتهم المرهونة للحكومة على الغير، وتبادلها بين منطقة وأخرى، فنشأت مناطق تسيطر عليها قبيلة أو طائفة بكاملها، ولا يوجد فيها أحد غيرهم!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top