دعونا نعرف هذه الحقيقة

مسيحيو العالم ليسوا الأكثر عدداً فقط، مقارنة بأتباع ديانات العالم الأخرى، بل وأيضا الأكثر كرماً وعطاء للإنسانية في مختلف المجالات.. فشكراً لهم، في عيدهم، كإخوة متحابين معنا في البشرية.
* * *
الكتابة الصحافية الهادفة تشبه في مفعولها نقاط الماء التي تتساقط ببطء على سطح صلب، فتأثيرها، سلبا أو إيجابا، يستغرق عادة وقتاً، وهذا ما بدر في بالي وأنا اقرأ إعلان التهنئة بأعياد الميلاد المجيدة التي شاركت كل صحف الكويت في نشره، من دون مقابل، عدا واحدة، والتي تعتبر السابقة الأولى في تاريخ الصحافة العربية، وتحسب لكويت الإنسانية. فهذا الإعلان سبقته محاولات كثيرة لكسر طوق الكراهية، ومقاومة موجة العداء لغير المسلمين، ورفض فتوى حرمة تهنئة المسيحيين بأعيادهم، والاعتراض السلمي على ذلك، فمن هم حولنا من أتباع الديانات الأخرى هم جيران وزملاء وأصدقاء، وتهنئتهم بأعيادهم نوع من التسامح المستحب، بل الواجب، وليس في الأمر تشبه بهم، ولا يشكّل خروجاً على العقيدة، ويا ليت البعض منا يتشبه بهم ويقدّم للبشرية ما قدموه من اختراعات عجيبة وأدوية ناجعة وطب رائع، وثروة فنية وفكرية وأدبية لا تقارن.
إعلان هذا الكريسماس لم يكن الأول من نوعه بالطبع، فقد سبقته محاولات كثيرة جميلة، وكانت الأولى بتاريخ 2001/12/26، أي قبل 18 عاماً تقريباً، عندما قمت، بالاتفاق مع خالد الشايع (المرحوم)، ونجيب الحميضي، وعادل العيسى ومصطفى بوحمد، ولولوة الملا، ويوسف الجاسم، وهشام السلطان، وصلاح الهاشم، بنشر إعلان كلفنا 2000 دينار، على كامل الصفحة الأخيرة من القبس، واعتبر الأمر حينها خطوة شجاعة ومبادرة غير مسبوقة في أجواء كانت تتّسم بالتشدّد إزاء مثل هذه الأفعال.
ما أود قوله هنا إن الحفر في الصخر، الذي بدأته قبل أكثر من ربع قرن، بقلمي ولساني، لم يضع سُدى، وها هي الكويت تسعى جاهدة لأن تكون عاصمة العمل الإنساني ورائدة التقارب بين الديانات والمذاهب والشعوب والثقافات، وبالتالي فإن المبادرة غير المسبوقة، التي تمثّلت في تبرع الصحف الكويتية بنشر إعلان مجاني، ولأول مرة في صحافة المنطقة، لم تأتِ من فراغ، ويجب اعتبارها إعلانا صريحا على أن مرحلة جديدة قد بدأت، وعلى المتشددين والمعارضين لتقارب الشعوب والثقافات وأتباع الديانات التجاوب معها أو إخلاء الطريق، لكي تمر المحاولات بسلام، فليس هناك مكان أو متّسع لتشدد غير مبرر وغلو غير مستحب، فالأمر ليس تشبُّهاً بكفار ولا إنكار للهوية ولا رفض للعقيدة أو التاريخ، بل مجرد سعي للمحبة والإخاء، والتعايش بسلام مع الآخر، أيا كان. وإن كان البعض يتخوّف على عقيدته من مجرد تقديم التهنئة للغير، فالعيب فيه، وعليه مراجعة مواقفه وأفكاره!
* * *

ننتهز حلول العام الجديد لنتقدّم للجميع بأخلص التهاني والتمنيات بعام أقل تعصُّباً وأكثر سلاماً.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top