كيف يخرِّب العقول.. أمثال هؤلاء الدعاة؟!

استوى على كرسيه الوثير، وبدأ خطبته أو هرجه قائلاً ما معناه: إن أهل البادية كانوا يأتون للمدن لبيع ما لديهم من أصواف أو ماشية أو حليب مجفف «الإقط»، وغير ذلك من حاجيات، كالأرز والشعير، وحملها على ظهور جمالهم عائدين بها إلى البادية. وفي يوم قدم بدوي للمدينة وباع ما كان لديه من سلع واشترى حاجياته، ومكث ليلته وقرر الرحيل في صباح اليوم التالي، فوضع في ناحية من خرج ناقته مختلف حاجياته، ولكي يتوازن حمل الناقة وضع في الجانب الآخر من الخرج كميات معادلة في ثقلها من الرمل.
التقاه، قبل رحيله، رجل من المدينة، وسأله عن سبب كل هذا الحمل على ظهر ناقته، فشرح له ما قام به، وكيف أنه يفعل ذلك دائماً، لكي يتعادل الجانبان! فقال له الرجل إن فعله غير صحيح، وعليه التخلص من الرمل ونقل نصف حاجياته للطرف الآخر من الخرج، وسيتساوى الجانبان تلقائياً ويقل الحمل على الناقة المسكينة. استحسن الأعرابي كلامه وأشاد بذكائه، وبعد أن انتهيا من عملية النقل، سأل الأعرابي الرجل عن عمله، فرد بأنه عاطل وبالكاد يجد ما يأكله، فبغت من إجابته، وسأله: كيف تكون بلا عمل وأنت بكل هذه الفطنة والذكاء؟ هل تعلم مقدار ثروتي؟ فهز الرجل رأسه بالنفي، فقال الأعرابي إن لي من الجمال والنوق ما لا تستطيع عده، وأنا الذي لا أفقه شيئاً، مقارنة بك، وطالما أنك بهذه الحالة البائسة وأنت على ما أنت عليه من فطنة، فإنني راض بحالي وعليك مساعدتي في إعادة الوضع على ما كان عليه، أي وضع الرمل في جانب والطعام والحاجيات الأخرى في الجانب المقابل، فهذا ما كنت أفعله طوال عمري، وفطنتك التي لم تنفعك لن تنفعني بالتالي!
لست معنياً هنا بصواب هذه القصة السخيفة التي هي أقرب للخرافة منها لأي شيء آخر، ولكني معني أكثر بإسقاطاتها على عقول الذين كانوا يستمعون إلى ذلك الداعية وغيره، وأغلبيتهم من السذج والمراهقين الصغار الذين لا يجرؤون عادة على مساءلة المتحدث أو مجادلته، وإن فعلوا، كما كان يفعل خالد سلطان وهو في حضرة عبدالرحمن، فغالباً ما يتم نهرهم.
ما انتهى إليه المتحدث الداعية، وبلغة لا تقبل الشك ولا الجدال، في أن العقل والذكاء والتفكير السليم لا معنى لها أبداً في الحياة. فالرزق يعطى، ولا معنى للسعي والتفكير والتوصّل للحول لما نعاني من مشاكل، فمن كان فقيراً فعليه قبول نصيبه من الحياة وتقبل سوء حظه. ومن كان غنياً ما عليه غير أن يكثر من الحمد والشكر!
لأمثال هؤلاء تفتح أغلب القنوات التلفزيونية، وأمامهم توضع عشرات الميكروفونات، ولهم تفرش السجاجيد، وتوضع الكراسي المخملية الحمراء، وفي «حضرتهم» يُدفع بالشباب للاستماع إليهم، ولهم تتوافر ساعات وساعات من البث الإذاعي والتلفزيوني، فوزارة الأوقاف لا تعشق إلا سماع أصوات هؤلاء، وكأن هدفها تخريب عقول الشباب وإتلاف أفكارهم بمثل هذه القصص الهابطة التي لا يمكن تخيل مدى تأثيرها السلبي في عقولهم الفتية.
ثم بعد كل ذلك نتساءل: لماذا نحن بكل هذا التراجع والتخلّف؟!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top