رؤساء الثعالب

لا شك لدي في صدق حماس و«تفاني» المتحدثين باسم حزب الإخوان المسلمين في الكويت بالدفاع عنهم والرد على كل من يحاول الإساءة إليهم.
ورداً على مقالنا الذي أطلقنا فيه وصف الثعالب على المتباكين على الكويت إن غادرها الإخوان، ومن سيملأ الفراغ من بعدهم، وردتني 4 رسائل، 3 منها ذكرت أنه لا فراغ سيحدث لأنهم أصلاً لا يشكّلون إلا نبتاً سيئاً، وورماً خبيثاً، وإزالتهم اليوم أفضل من الغد، وأن ضررهم بالفعل أكثر من فائدتهم. أما الرسالة الرابعة، فقد تساءل فيها مرسلها عن الإضافات والفوائد التي قدّمها «ليبراليّو وديموقراطيو وعلمانيّو الكويت» لمجتمعهم؟ وهل لو تسلم هؤلاء الحكم، فسيستعينون بمن يخالفهم الرأي في الإدارة، أم أنهم سيستعينون بمن تتوافق آراؤهم مع طروحاتهم؟
الإجابة طويلة، وسنختصرها ضمن حدود المقال. سنفترض أن الليبراليين، إن وجدوا حقاً، لم يقدموا لوطنهم شيئاً! ولكن هل يعقل مقارنة كتلتهم بكتلة حزب الإخوان في الكويت، دع عنك بقية الأحزاب والكتل الدينية الأخرى؟ واضح أن المقارنة غير عادلة هنا، فالحكومة، ومنذ أكثر من نصف قرن، وهي تحابي الإخوان وتمنحهم كل شيء تقريباً. كما أن للإخوان مثلاً مؤسسة شرعية معترفاً بها يحق لهم جمع المال وصرفه، من خلالها كما يشاؤون، ومنها الصرف على الحملات الانتخابية لممثليهم، وتأسيس الشركات الضخمة والصرف على مشاريعهم وأعوانهم، فهل لدى الليبراليين، والعلمانيين (الملاعين)، مثل هذه الرفاهية والقدرة الهائلة على جمع المال، الذي لا يمكن من دونه عمل شيء جدي؟ وحتى لو أبدت مجموعة من الليبراليين الرغبة في التبرع بالملايين دعماً للحركة الليبرالية، فهل ستسمح الحكومة لهم بذلك في ظل عدم امتلاكهم لأي إطار شرعي، ولمن سيدفعون المبلغ ومن الذي سيديره؟ وعليه، نجد أنه من الاستحالة على الليبراليين والديموقراطيين والعلمانيين، إن اجتمعوا، القيام بما تقوم به أحزاب الإخوان والسلف، خصوصاً أنهم لا يعملون في الظلام. ولا يمكن لهم العمل في وضح النهار من دون حزب أو جمعية معترف بها يمكن العمل من خلالها في السياسة، وجمع الأموال ودعم مرشحيهم، وتحقيق أغراضهم وأهدافهم.
أما السؤال الثاني المتعلّق بمدى إمكانية استعانة الليبراليين والديموقراطيين بغيرهم إن تسلموا الحكم، فهو سؤال غير سليم في تركيبته، فقضية من يحكم محسومة دستورياً، والأصح القول بمدى إمكانية استعانتهم، في أي نشاط سياسي أو اقتصادي، بمخالفيهم، والجواب قائم بحكم الواقع. فأنا شخصياً لدي عشرات الموظفين من الملتحين، الشديدي التدين، ومن مختلف المذاهب، ولكن هل تمتلك مصالح الإخوان التجارية مثلاً عشر ما امتلكه، وغيري الكثيرون، من حرية التصرف ومحبة الغير، وعدم التحيز ضد الآخرين بسبب دينهم أو مذهبهم؟ كما أن غلاة المتشددين، وحتى المتدينون الفاسدون منهم، يكتبون في الصحف التي توصف بالليبرالية، ولكن في المقابل لا تسمح منشورات الأحزاب الدينية لليبراليين حتى بمجرد التفكير في الكتابة فيها!
الليبرالي أو العلماني الحقيقي يبقى إنساناً وأسير أخلاقه ومبادئه، ويمثل النقيض، في رأيي، للطرف الآخر، فالرجاء عدم المقارنة، فالأمر ليس تفاحة مقابل أخرى!
أعود إلى الفقرة الأولى من المقال، وأقول إنني أتفهم جداً أسباب ضراوة الدفاع الشرس عن الإخوان وحزبهم والمنتمين لهم، وهذا يثير استغراب البعض، ولكن لو عرف السبب لبطل العجب، وهذا يكمن في ما حققته قلة من المنتمين للإخوان من ثروات هائلة، ليس لشهرة منتجاتهم، ولا لكفاءة مكاتبهم، ولا لجمال تصاميمهم، ولا لقوة معداتهم، بل لشراسة تهديداتهم، وسوء استخدامهم لنفوذهم السياسي، وضغوطهم على الوزراء، والاستعانة بنوابهم وتهديداتهم بالاستجواب، وغير ذلك من وسائل غير أخلاقية.
أسماء من حقق الثروات الهائلة من الإخوان، في دول كثيرة، معروفة، اختار أغلبيتهم الانزواء للاستمتاع بما حققوا، ولكن البعض الآخر ما زال «يرافس» طالباً المزيد، تكتنفهم مشاعر الدكتاتور الذي يشعر بأن عليه القتال حتى النفس الأخير، مدافعاً عن نفسه وحزبه، فإن تنازل طوعاً، أو ضعف، فسيأتون يوماً لمحاسبته وسؤاله: من أين لك هذا؟

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top