عود للحدود.. والعلوي

انهالت علي من أعزاء تعليقات ومرفقات تتعلق بما ذكرته على لسان السياسي العراقي حسن العلوي، بموضوع حدود الكويت مع العراق، وكلها تقريبا ذكرت أن الكثيرين يعلمون بهذه الاتفاقية. كما أعلمني الأستاذ عبدالله الغنيم، رئيس مركز الدراسات والوثائق الكويتية، بأن ما ذكره العلوي يفتقر الى الدقة. فحدود العراق مع الدول المجاورة الأخرى لم يكن متفقا عليها بوضوح في حينه. كما أن اتفاقية ترسيم الحدود لعام 1932 اعتمدت أساسا على ما سبق ان اتفقت عليه الدولتان العثمانية والبريطانية، والأخيرة بصفتها الدولة الحامية للكويت، عام 1913، وهي الاتفاقية التي لم يتم التصديق عليها بشكل نهائي بسبب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلا أنها كانت مرجعا أساسيا لترسيم الحدود مع العراق إبان وجود نوري السعيد على رأس الوزارة العراقية في 1932. وأضاف الأستاذ الغنيم كذلك بأن كتاب «الكويت وجودا وحدودا» الذي نشره المركز بعد تحرير الكويت، تضمن كل هذه الاتفاقيات بالتفصيل، وترجم الكتاب لعشر لغات ووزع منه نحو ١٠٠ ألف نسخة، وسبق أن طبع على نفقة وزارة الخارجية الكويتية.
ولعلي أضيف هنا أنني اشعر أننا لا نزال مقصرين في تسليط الضوء على جملة الحقائق هذه. كما أن توزيع 100 ألف كتاب مجانا لا يعني أن الغالبية اطلعت عليه وأصبحت مع الحق الكويتي، وبالتالي لا أعتقد أن الكتاب غيّر من آراء نسبة كبيرة من الشعب العراقي. فمن الواضح والمعروف وهذا ما لمسته على مدى أكثر من ربع قرن من خلال مختلف الوسائل واللقاءات والمشاهدات أن هناك جهلا تاما لدى العراقيين عموما، وحتى من السياسيين ومن مثقفين أنا على اتصال مستمر معهم، بهذه الحقائق، والسبب يكمن في فشلنا في إيصال هذه الحقيقة لأكبر نسبة منهم، فهذا دورنا ومطلوب منا التركيز عليه بكثافة أكبر وتعميم الحديث عن الاتفاقية في مختلف وسائل التواصل، خاصة أن هناك حنينا لدى العراقيين للعودة للعهد الملكي، والأسى على المصير المظلم الذي تعرض له رئيس وزرائهم السابق، الذي كان المبادر لطلب تحديد حدود بلاده مع الكويت.
وفي رسالة أرسلتها الأستاذة «ميمونة الصباح» قالت إنها قرأت باهتمام مقالي وانها تتفق معي تماماً حول أن ما ورد على لسان حسن العلوي، وأنه لم يسبق لأي سياسي كويتي أن تطرق إليها رغم أهميتها، خصوصاً لتعلقها بموضوع وضع الكويت القوي والمستقل عن العراق طول الـ«مئة سنة» الماضية على الأقل. وان الكويت لم تكن ترتبط بشيء مع العراق، المقسم حينها لأربع ولايات، بل مع الدولة العثمانية، وهذا كان حالنا نحن وقت الحماية، حيث كانت تدار أمورنا من الهند، ولكن في الحقيقة كان ارتباطنا مع بريطانيا من خلال حكومتها في الهند، وبالتالي لم يكن للعراق يوما سيادة مباشرة على الكويت.
وأضافت الشيخة ميمونة بأنها سبق أن تعرضت في كتابها «الكويت في ظل الحماية البريطانية» بشكل مفصل لموضوع الحدود الكويتية العراقية، خاصة التي جاءت في الاتفاقية الإنكليزية / التركية لعام 1913م وفقاً للخط الأخضر المشار إليه في الخريطة التي ارفقت بها. واضافت أن حدود الكويت مع العراق كان يجب حسمها عندما قررت بريطانيا منح العراق الاستقلال عن الانتداب البريطاني وإدخاله عصبة الأمم عام 1932، حينها رأت بريطانيا أن على العراق حسم مشاكل الحدود مع الكويت، وتم تبادل العديد من المذكرات بين ممثلي بريطانيا في العراق وبين الشيخ احمد الجابر ونوري السعيد، وهذه المذكرات المتبادلة هي ذاتها التي تم اعتمادها بين الكويت والعراق عام 1963، بعد الإطاحة بحكم عبدالكريم قاسم، والتي حملت توقيع أحمد حسن البكر، رئيس وزراء العراق، والمغفور له الشيخ صباح السالم ولي عهد الكويت ورئيس وزرائها، التي اعترف العراق فيها باستقلال الكويت ضمن حدودها التي جاءت في المذكرتين المتبادلتين بين العراق والكويت عام 1932. وللمزيد يمكن العودة للمراجع أعلاه.
نختم هذا المقال بالإشارة لمطالبة سفير العراق لنا بضرورة حذف تعبير «الغزو العراقي» من المقررات الدراسية وأن يستبدل به تعبير «الغزو الصدامي»، وكان من المفترض هنا تبرع الخارجية بتذكيره بتلك الاتفاقيات، وكيف أنه على مدى أكثر من 85 عاما لم يتم يوما ذكر شيء عنها في مناهج العراق، ولو كانت مذكورة لكان وضعنا الحدودي والسيادي، وحتى النفسي، مع العراق أمرا مختلفا!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top