المسيحي عندنا.. والمسلم عندهم

ينسب للبرلماني السُوداني الراحل محمد إبراهيم النص التالي: إذا حكمني مسلمٌ فلن يدخلني الجنة، وإذا حكمني ملحدٌ فلن يخرجني من الجنة، وإذا حكمني من يُؤمّن لي ولأولادي العمل والحرّية والكرامة وعزة النفس فسأقف له احتراماً وإجلالاً، ويبقى دخول الجنة من عدمه رهين إيماني وأعمالي، فقفوا عن التنازع على السلطة باسم الدين، مُعتقدين أنها طريقكم الى الجنة، فليست وظيفةُ الحكومة إدخال الناس الجنة، وإنما وظيفتها أن توفِّر لهم جنةً على الأرض (والتي قد) تعينهم على دخول جنة السماء». (انتهى).
عندما قرأت النص أعلاه تذكرت الشاعر الأفريقي العظيم والرئيس ليوبولد سنغور، الذي تولى رئاسة جمهورية السنغال لعشرين عاماً، من أكتوبر 1960 بعد الاستقلال وحتى 1980، عندما سلم الحكم بمحض إرادته لخلفه الرئيس عبدو ضيوف، ويعتبر الكثيرون سنغور أديباً عالمياً ووحداً من أهم المفكرين الأفارقة من القرن العشرين.
وبالرغم من أن %94 من سكان السنغال مسلمون، و%5 منهم فقط مسيحيون، فإنهم انتخبوا المسيحي ليوبولد سنغور، المولود عام 1906، رئيساً، وأعادوا انتخابه فترة بعد أخرى، قبل ان يتنازل طوعاً، ويتوفى في فرنسا عام 2001.
وفي المقلب الآخر، وفي أفريقيا أيضا، قامت أثيوبيا بانتخاب آبي أحمد رئيساً جديداً للوزراء، وينحدر أحمد من عرقية أورومو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد، التي كانت تقود الاحتجاجات المناهضة للحكومة السابقة على مدار ثلاث سنوات، وهو مسلم ويعتز بإسلامه، في بلد يعتز %66 من مواطنيه بمسيحيتهم الأرثوذكسية، علما بأن نسبة المسلمين بين الأثيوبيين لا تزيد على %30، ولكن الكفاءة هنا أيضا تغلبت على التخلف أو التعصب الديني أو المذهبي.
هذان المثالان، وأمثلة كثيرة أخرى، تبين أن التعصب الديني والمذهبي لا يوجد غالبا إلا بيننا، اما الآخرون فهذا، كما يقال، آخر همهم. ولو ذهبنا الى أوروبا وأميركا التي تدين جميع دولها بالمسيحية، وتعتبرها مكملة لليهودية، لوجدنا عشرات المناصب المهمة والخطيرة يشغلها مسلمون، بالرغم من حالة العداء المتصاعدة ضد المهاجرين المسلمين لدولهم.
إننا بحاجة بالفعل الى تغيير نظرتنا للآخر، والسماح لكل الأقليات بيننا، سواء كانوا مواطنين مسلمين أو مسيحيين، أو هنوداً بهرة أو هندوساً أو بوذيين، ممارسة عباداتهم بالطريقة التي تناسبهم، طالما أنهم لا يسيؤون الى مشاعر غيرهم. ولكن تغيير النظرة هذه لا يمكن أن يحصل بين يوم وليلة، بل يحتاج الأمر الى قرار، بحيث يشترك خطاب المسجد والتلفزيون الرسمي ومنهج المدرسة في عملية التغيير.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top