خطورة الدية

تصاعدت مؤخراً وتيرة جمع الدية، ودار جدل حول موضوعها ومدى قانونية مثل هذا التصرف، الأمر الذي دفع وزيرة الشؤون الاجتماعية السيدة هند الصبيح الى الإعلان عن «قرب صدور لائحة تنظم جمع التبرعات لمصلحة حل قضايا الخلافات الثأرية أو (الدّية)»، وأن «ثمة تنسيقاً يتم حالياً بين «الشؤون» و«الداخلية» لإصدار هذه اللائحة، خصوصاً عقب رصد دعوات عدة لجمع أموال لهذا الغرض». وان الوزارة قامت بالفعل بمخاطبة إدارة الفتوى والتشريع للاستئناس برأيها القانوني، حول قيام أفراد أو جمعيات خيرية بجمع التبرعات لهذا الغرض، من منطلق حرص الوزارة على القيام بدورها المنوط في الرقابة والإشراف على العمل الخيري، وتنظيم أي عملية جمع تبرعات تتم في الكويت، حيث إن الأمر يجري حالياً بطريقة أقل ما يقال عنها فوضوية، ولا تتبع فيه أي قواعد أو نظم قانونية تمنع استغلاله من الشبيحة، وما أكثرهم.
و«الدية» مبلغ من المال يدفعه شخص أو قبيلته غالباً لأهل المجني عليه، أو القتيل، لكي يتم اسقاط القصاص عن الجاني، كتنفيذ حكم الشنق أو قطع الرأس به.
وبالرغم من أن الدية نظام قبلي قديم فإنه ترسخ مع الإسلام، ووضعت له قواعد ونظم تتفاوت من مذهب لآخر، ولكن هناك اختلافات كبيرة بين مختلف المذاهب على طريقة دفعها، وكيف؟ وعمن؟ فيجب مثلاً أن يكون المجني عليه «حراً» ذكراً مسلماً، فإن كان غير ذلك فهناك تشعبات واختلافات أخرى لا عد ولا حصر لها بين مختلف المذاهب والفرق.
والدية قد تكون عن النفس، أو ما دون ذلك كبتر عضو مثلا، وقد تكون غير مقصودة، وليست عن سبق إصرار وترصد، وهذه أيضاً لها تشعباتها. لكن ما يهمنا هنا هو موضوع الدية، التي تدفع عن قتل عمد، مع سبق الإصرار والترصد، كالذي حدث قبل بضع سنوات في أحد المجمعات الشهيرة، عندما قام الجاني بشراء أداة حادة من محل في المجمع، واستخدمها في قتل طبيب وافد، أمام مرأى من أهله والآخرين، لاختلافه معه على أحقيته في موقف أو تصرف لم يعجبه.
تنتشر الدية في السعودية كثيراً، وتجمع لها مبالغ طائلة، بلغت حتى منتصف هذا العام 70 مليون ريال. وعادة ما تستخدم قبيلة القاتل نفوذها في الحصول على موافقة أهل المجني عليه، وتنازلهم عن حق القصاص مقابل مبلغ من المال، وبالتالي فإن حظ القاتل المنتمي الى قبيلة كبيرة أو غنية في النفاذ بجلده وعدم قطع رأسه، أكبر بكثير من حظ القاتل المنتمي لقبيلة صغيرة أو فقيرة، أو الذي لا قبيلة له أصلاً، ومن كل هذا نرى أن للدية دوراً سلبياً في تشطير المجتمع وإبعاده عن المدنية.
إن الأحكام أو العقوبات الزمنية أو الجسدية وضعت لكي تشكل رادعاً للغير، من منطلق «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ». فقد عرف البشر منذ آلاف السنين أن بقاء المجتمعات مرتبط بتطبيق القصاص بين أفراده، ومتى ما شعر فرد منه أن بإمكانه ارتكاب ما يشاء دون عقاب، فستكون هذه بداية انهيار المجتمعات، ومن ثم الدول.
وبالتالي فإن وزيرة الشؤون المحترمة مطالبة بالسعي الى تطبيق العدالة بين أفراد المجتمع، من خلال منع الدية، أو حصرها في أضيق الحدود، بحيث يصبح تطبيقها صعباً جداً، بدلاً من وضع قواعد تنظمها، فتقوم بها القبيلة الغنية وتعجز عنها القبيلة الصغيرة أو الفقيرة. حكاية الدية تعني أن الغني يستطيع قتل الفقير ودفع ديته إلا أن الفقير لا يستطيع قتل الغني لعجزه عن دفع الدية.
وبالتالي، فإن ما نسمع به، عند جمع المال لدفع دية، أنه عبارة عن «عتق رقبة» عذر غير سليم وتسمية سقيمة، فعتق الرقبة الذي ورد في النصوص الدينية لم يقصد به حتماً القتلة، بل كان يهدف أساسا لعتق رقاب الأرقاء، الذين تكاثر عددهم بسبب الغزوات والحروب، وبالتالي كان البعض يشتري العبيد أو الأرقاء، من اي جنس أو لون كانوا، ويطلقون سراحهم، وهذا هو المقصود أساسا.
ويقول الأستاذ علي آل نومة القحطاني، المحاضر في جامعة الملك خالد، ما معناه إن نظام الدية غير قابل للتطبيق بعدالة في المجتمعات التي تسعى الى الحداثة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top