الجداد الذي كلف 20 مليار دولار

توجد في أحد أنحاء محافظة الفروانية في الكويت منطقة كانت تكثر فيها نباتات صحراوية يسميها البدو «الجداد»، وتحول الاسم مع الوقت إلى «شداد» وشدادية، تالياً، وهي المنطقة التي قررت حكومتنا الرشيدة إنشاء جامعة عصرية فيها قبل 14 عاماً، عندما كان عدد طلبة جامعة الكويت لا يزيد على 12 ألفاً بقليل، وربما تجاوز العدد حاليا الأربعين ألف طالبة وطالب، ولا يزال %58 من جامعة الشدادية، أو مدينة صباح السالم الجامعية، تحت التنفيذ!
لم تخرج فكرة إنشاء مدينة جامعية ضخمة إلى النور إلا مع صدور قانون إنشائها عام 2004 وارتكبت الحكومة والمشرع أخطاء جسيمة بموافقتهما على قيام إدارة معظمها متواضعة الفهم والإمكانات في جامعة الكويت، لم تسلم طوال تاريخها من شبهات التنفيع، بالإشراف على عملية تنفيذ المشروع واختيار المقاولين ومراقبتهم، بدلا من تسليم المشروع برمته لشركة عالمية كان من الممكن عن طريقها توفير مليارات الدنانير!
كما اخطأت الحكومة بخضوعها لضغوط قوى الظلام وفصل الدراسة والبحث في الجامعة بين الذكور والإناث، وهو قانون الفصل العنصري الذي سكت عنه المرحوم أحمد الربعي، فتسبب ذلك في مضاعفة تكاليف الإنشاء بشكل مخيف واصبح مدخلا لفساد أكبر، فكلما ارتفعت اصوات مراقبي ديوان المحاسبة بسبب الصرف غير المبرر كان الرد يأتي دائما بأن السبب هو قانون الفصل السخيف.
كما أخطأت الحكومة في تقاعسها عن وقف المشروع عندما تسارعت فضائحه، وحرائقه الشهيرة التي كان أولها عام 2013، وتكررت خمس مرات ولم يصدر عن الجامعة اي تقرير واضح يبين المتسبب بالرغم من كل ما تسببت فيه من خسائر ضخمة وتأخير في تنفيذ المشروع لسنوات، وكان تكرار وقوع هذه الحرائق فضيحة بحد ذاتها. وبالتالي تأخر التنفيذ بشكل مؤلم، وارتفعت التكاليف بشكل أكبر بحيث تحول المبلغ المرصود لإنشاء الجامعة من 500 مليون دينار إلى ثلاثة مليارات و500 مليون دينار، والخراب والخسائر مستمرة.
سيدخل مبنى جامعة صباح السالم الجامعية التاريخ حتما، وسيرد ذكره في كتاب غينيس للأرقام القياسية كأكثر المشاريع تأخيراً في التنفيذ وأكثر جامعات العالم كلفة في الإنشاء، فالتكلفة النهائية، إن انتهى، ستتجاوز العشرين مليار دولار بما في ذلك قيمة أرض «الجداد»!
ولو كنت مديراً لجامعة الكويت لما ترددت في الطلب من أكاديميي الجامعة وضع دراسة متكاملة عن قصة إنشاء جامعة صباح السالم لتكون مادة منهج دراسي تبين الاخفاقات والعراقيل والفساد والتأخير والمماطلة والحرائق الموسمية المتعمدة وغير المتعمدة وجعل كل ذلك مادة تستفيد من معرفتها الأجيال القادمة وما يعنيه إسناد الأمر لغير أهله، والسكوت عن التلاعب، وغض النظر عن الإهمال.

ملاحظة:
طالب البعض بأن يذهب «خلاصة» أهل الكويت الى المراجع لطلب العفو عن المدانين من جماعتهم، وهذا غير ممكن عملياً ولا يجوز أدبياً، فمن يقرر من هم الخلاصة؟ وهل ستطلب الخلاصة العفو أيضاً عن أفراد خلية العبدلي، وغيرهم من المدانين بجرائم أمن دولة، وسارقي أموال الشعب، أم أن هؤلاء من طينة مختلفة؟

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top