استنشاق عبق الكويت القديمة

سبق أن كتبت مقالاً أشرت فيه إلى إهمالنا بشكل عام في كل ما يتعلّق بالتراث، الخاص أو العام. وبالتالي لم نجد في الكويت تاريخياً من يهتم بحفظ وثائق الدولة ومراسلاتها والمحافظة عليها، ومن ذلك مثلاً المراسلات التي جرت بين شركات النفط الغربية وبين حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، والتي نتج عنها تالياً توقيع اتفاقية التنقيب عن النفط في الكويت، والتي غيرت وجه الدولة من إمارة مغمورة منسية إلى دولة حيوية ذات تأثير في محيطها، وكيف أن لا أحد اهتم حينها بحفظ تلك المراسلات ولا حتى الاحتفاظ بنسخة عن الاتفاقية الأهم في تاريخ الكويت الحديث. ولولا حث المرحوم يوسف أحمد الغانم وزير الإعلام في السبعينيات، الشيخ جابر العلي، على القيام بشيء لحفظ ذلك التراث لما تم تالياً تلاحق الأمر وتكليف السير آرشيبالد شيشولم، آخر شخصية بقيت على قيد الحياة وكان لها دور حيوي في تلك المفاوضات، بجمع تلك المراسلات ووضعها في كتاب للتاريخ. طالبت في مقالي السابق ذكره السيد رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية بترجمة الكتاب إلى العربية ليكون في متناول الباحثين. بعدها بأيام قليلة جاءني رد من رئيس المركز الأستاذ عبدالله الغنيم يعلمني فيه بأن المركز قام بالفعل بترجمة الكتاب للعربية وهو متاح لمن يريد الاطلاع عليه. هنا كان أمامي إما التنويه بالرد وشكر القائمين على المركز لجهودهم الطيبة، أو أن أكون أكثر إيجابية وأقوم بزيارة شخصية لمركز البحوث للاطلاع على نشاطهم بعد انتقالهم لمبناهم الذي يليق بحقيقة هدفهم المتمثل في حفظ تراث الكويت، فالأمة، كما يقول تشرشل، التي تنسى تاريخها لا مستقبل لها. وله قول آخر معناه أننا كلما حدقنا أطول إلى الخلف، استطعنا النظر أبعد إلى الأمام، وهذا ليس رأيا سياسيا أو فلسفيا، لأن أي طبيب عيون يمكنه أن يؤكد لنا ذلك. وكلما زادت فترة تأملنا في ماضينا، ومعرفته، طالت فترة المستقبل التي نستطيع التنبؤ بها.
من كل هذه الحقائق والأقوال يمكن القول إن عمل مركز البحوث يتمثل حقيقة في حفظ ذاكرة الكويت بطريقة علمية سليمة ليكون مصدرا للمعلومات عن تاريخ الدولة ونتاجها الحضاري، هذا غير دوره في حفظ الأرشيف الحكومي، من مضابط جلسات ووثائق مفاوضات وغيرها، وعرضها والعناية بها بطريقة علمية سليمة.
زيارتي للمركز كانت ممتعة، ومفيدة جدا، حيث اطلعت على تراث الوطن وأمور كثيرة أخرى لم أكن أعرفها. وأتمنى أن يقوم كل مواطن ومقيم بزيارة هذا الصرح، والأهم من ذلك أن تقوم الأسر والأفراد، لا سيما اصحاب المتاحف الصغيرة، الذين لديهم مخطوطات ووثائق بالاتصال بمركز الدراسات لترتيب تبرعهم بمقتنياتهم للوطن لتكون في متناول أكبر عدد من المهتمين بهذه الأمور، ولكي تحفظ بطريقة علمية، ولتخلد أسماؤهم بطريقة مناسبة، وأخص بالذكر الاخوة صالح المسباح وخالد المغني، وعلي الرئيس وفهد العبدالجليل ووضاح خالد سعود الزيد وغيرهم. وهؤلاء غير مجبرين طبعا على التنازل عن مقتنياتهم الآن بل بإمكانهم التوصية بذلك، بعد عمر طويل، فمن سيأتون بعدهم قد لا تكون لهم نفس اهتماماتهم، فتضيع تلك المقتنيات كما ضاعت غيرها!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top