مركز النور الذي أطفأ نورهم

كتب الزميل عبدالله غازي المضف: للفن سلطان عجيب، فهو يملك الحق، دون غيره، في العبث بذكرياتك القديمة.. ينبشها، ويفتش بين تجاعيد الذكريات، ويدق أجراس الحلم والشجن؛ فيضحكك تارة، ويبكيك إلى حين.. إنه الفن الجميل، من يقدر على تغيير معادلة الزمن، فيسافر بك إلى الوراء، حيث ذكرياتك البريئة، ووجه أمك وأبيك، طيور هاجرت ولم تعد.. مدرستك التي فقدت عبقها، معلمك الذي وبخك.. حبيباً خِلْتَه الدنيا، وزماناً ظننته بخير.. إنه الفن الجميل وحده من يملك ذلك الحق.
ويستطرد قائلاً إن هذا الفن تجلى بأبهى صوره في ملحمة «الثمانينات» بمركز جابر الأحمد الثقافي، مع أوركسترا أسطورية بقيادة المايسترو الكبير محمد باقر، وإخراج الشاب الكويتي المبدع جاسم القامس. انتهى النقل.
أنقل ذلك على الرغم من كل اللغط الذي دار حول بناء وتكلفة دار الأوبرا، ولكن يبدو أن كل ذلك أصبح وراءنا بعد أن رأينا نتائج هذا الصرح الذي غيّر من المناخ الثقافي والترفيهي في الكويت، وجعل الكثيرين منا بالفعل أقل رغبة في السفر، وأقل ضجراً وشكوى وطرح التساؤل المعتاد: أف! وين نروح، ماكو شي؟
موسم دار الأوبرا في جزئه الأول من عام 2018 كان رائعاً بكل المقاييس، وأصبح المشرفون عليها يتفوقون على أنفسهم كل يوم، في النوعية والمستوى ودرجة القبول، وأصبحنا نرى رواد فن ومسرح وأوبرا يأتون من الدول المجاورة، ومن قطر بالذات ومن شرائح المجتمع الكويتي التي لم نكن نعتقد يوماً أننا سنراها في ردهات هذا الصرح الكبير، وهذا مؤشر على أن تغيرات جذرية تجري في المجتمع، وإن ببطء، ولكن بقوة عجيبة، خصوصاً مع تجرؤ هذه النوعية في الخروج من شرنقتها التي اختار المتخلفون لها أن تبقى فيها إلى الأبد، وبالتالي أصبحت هذه الفئة أقل إنصاتاً لتهديداتهم وتحذيراتهم الفارغة، وهذا بحد ذاته يفسر العداء الشديد الذي واجهته فكرة دار الأوبرا من أولئك المتخلفين.
لقد كان حلماً رؤية فرقة موسيقية من 80 عازفاً، أغلبيتهم من الكوادر الوطنية، ومن مختلف الفئات، تعزف بكل تلك الروعة على مسرح عالمي.. في الكويت، وهذا الجهد الثقافي والفني الكبير ما كان ليتحقق لولا دعم الديوان للمركز، وجهود المشرفين على مركز جابر، من أمثال المدير، والفنان المبدع فيصل خاجة، وفريقه الذي لم يكن ليتحقق الكثير من دونه، ومنهم عالية الغانم وأحمد الصالحي ورهام السامرائي وحمد الريس، وغيرهم من الشباب المخلص والمبدع.
فتحية جميلة مني لهم جميعاً.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top