محامي الشيطان

عنوان المقال devil’s advocate لا يتعلّق باسم الفيلم الشهير الذي مثله آل باتشينو باقتدار كبير، بل تسمية أطلقتها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية على رجل القانون الذي تعينه الكنيسة، لكي يجادل ضد القوانين التي يضعها المشرعون، ويشككك فيها ويبين ضعفها. وهو أيضاً الشخص الذي تعيّنه الكنيسة للنظر في ماضي الشخصية التي يراد تطويبها لدرجة القداسة، والبحث في سيرته، والتيقّن من استحقاقه للتطويب من عدمه، وفي مقالي هذا سأكون محامي الشيطان في موضوع مختلف!
***
ورد على لسان السفير البريطاني في الكويت مايكل دافنبورت، أن هناك نية لعقد اتفاقية لوجود عسكري بريطاني مؤقت في الكويت، بناء على طلب الأخيرة، تحسباً وتخوّفاً من أي مخاطر خارجية، خصوصاً من نوايا الحشد الشعبي.
يقول التاريخ إن علاقات بريطانيا بالكويت بدأت في عهد مبارك الصباح باتفاقية 1899، بغرض حماية الكويت من أطماع الدولة العُثمانية، وبقيت السُفن البريطانية مُرابطة في الميناء دفاعاً عنها. كما كان لبريطانيا الفضل الأكبر في دحر عدوان «الإخوان» عليها عام 1920. وكان دورها في القضاء على أطماع قاسم في بداية الستينات حاسماً، ورابعاً كان لمارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا عام 1990 الدور الأكبر في خلق التحالف الدولي، بقيادة أميركا، الذي دحر قوات صدام حسين التي احتلت الكويت واستباحتها لسبعة أشهر عجاف.
وعلى الرغم من الدور الكبير والمهم الذي تلعبه الكويت في الوساطة بين السعودية والإمارات، وبين قطر، فإن الأخيرة فقط أعلنت بوضوح، حتى الآن، قبولها في إطار مجلس التعاون الخليجي. وهنا، ربما سيأتي الدور البريطاني الداعم لجهود للكويت، والضاغط على بقية الأطراف. ومن هنا جاءت تصريحات النائب أحمد الفضل، التي حذّر فيها من تعرض الكويت إلى مقاطعات أو ضغوط، مطالباً الحكومة بالاستعداد لذلك قائلاً: «الأمن الغذائي والأمن الدوائي أمران مهمان، خصوصاً أن الأوضاع تتوتر في بعض الدول، وقد نتعرض إلى مقاطعات أو لأمور نعتبر الاستعداد لها أولوية مهمة بالنسبة لنا، هذا بخلاف ما يشكّله الحشد الشعبي في العراق من ضغوط لا يمكن إنكارها، أو الركون لأي تطمينات بخصوصها».
كما أن صداقة بريطانيا والكويت كانت دائمة التميز طوال تاريخها، ولا أتذكر يوماً أنها كانت محل سؤال أو شك، وكانت للكويت، وربما حتى الآن، أفضلية لم تحصل عليها دولة أخرى من الاستثناءات الضريبية، التي وفرت عليها مئات الملايين من أموال استثماراتها. كما يرى الكثير من المراقبين أن بريطانيا هي الأجدر، بين القوى الدولية، على التعامل مع التوترات التي تشهدها المنطقة في ظل الأزمة الحالية، وهي حليف يسهل التعامل معه بوضوح، عكس الولايات المتحدة، خصوصاً في وضعها السياسي الحالي.
ولا ننسى أن بريطانيا كانت أول من هرع لنجدة الكويت بُعيد استقلالها بقليل، عندما طالب بها قاسم، يوم لم يكن هناك بعد استراتيجي ولا مجلس تعاون، وكانت الجامعة العربية، كحالها اليوم، في سبات عميق، ولولا رغبة بعض الأطراف، كالرئيس جمال عبدالناصر، بمنع عودة الوجود البريطاني لشرق السويس، لما جاءت القوات العربية دفاعاً عن الكويت، أقول ربما!
ولا ننسى أن بريطانيا كانت لها اليد الطولى في السياسة والأمن في الكويت من عام 1899 وحتى 1960، يوم لم نكن نملك شيئاً، وعندما هلّت أموال البترول علينا، قالت لنا اذهبوا فأنتم الطلقاء.
أتمنى، وليس لي غير التمني، فلست في موقع القرار ولن أكون، أن نعطي بريطانيا ما تستحق من تقدير وأهمية، ونكثف من وجودها العسكري لدينا، فالقوات الأميركية الموجودة في الكويت، بحسب علمي، لا علاقة لها بأمننا بقدر ما هي معنية بكونها قاعدة عسكرية أميركية. وبالتالي، نحن أحوج ما نكون للحماية، وبريطانيا هي الوحيدة التي وقفت معنا قلباً وقالباً طوال 120 عاماً، وأي كلام غير هذا بعيد عن الدقة. وعلينا تكثيف تعاوننا معها في كل المجالات، والاستعانة بخبراتها في إعادة هيكلة نظامنا الضريبي، والأمني الداخلي، والمرور، والصحة والمنافذ، وبمثل هذا التعاون نحقق النجاح للطرفين، أو win win situation.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top