أخلاق الإجازة

من المقترحات غير المعقولة، التي خرجت بها علينا إحدى المشرّعات، اقتراح منع إصدار إجازات القيادة للمقيمين، لأنهم سبب ازدحام الشوارع بالمركبات، ومن لا يرد، فليغادر!
ذكرني هذا الاقتراح الغريب بقصة المنع الأول لإصدار إجازات القيادة، وكان ذلك في بداية السبعينيات، مع اشتداد الأزمة المرورية، حيث اقترح أحد قياديي المرور مازحاً وقف إصدار الإجازات لفترة، فتلقف المسؤول الكبير المقترح وحوّله إلى واقع. وهنا، استدرك القيادي الأمر، وسأل المسؤول الكبير عما يجب عليه القيام به إن تقدم ابن المسؤول مثلاً بطلب إجازة، فرد قائلاً: يستثنى! وماذا عن الأطباء والمدرسين والعاملين في الإطفاء والممرضين وكبار مديري البنوك والشركات الكبيرة، وبقية المهن المهمة، فرد: يتم استثناؤهم. وهنا تقرر الإبقاء على المنع مع إعطاء مدير عام المرور حق الاستثناء، فسالت المنح والهدايا والعطايا، وبوس الخشوم والواسطات وتدخلات الوزراء والنواب والشيوخ. وأصبح المدير العام بالفعل أهم وأخطر شخصية، فبتوقيعه يتحول الفراش إلى سائق آلة بناء ضخمة يجني المئات. وأصبح من يعرف طرفاً يعرف من يعرف المدير العام ضامناً جنة قيادة السيارة.
مع المنع، وما صاحبه من استثناءات، استمر تدفق السيارات للطرقات الواسعة التي أصبحت لا تحتمل أعدادها المتزايدة. ومن المناظر الطبيعية التي كنا نراها حينها وقوف أحد مديري المرور على تقاطع إشارة مجمع الوزارات، في الصباح الباكر، لمراقبة حركة المرور، وكأن وجوده سيسرع الحركة، وكان حرياً به البقاء في ذلك الوقت في مكتبه أو منكباً على إيجاد حلول لمشكلة المرور، بدلاً من تكتيف اليدين خلف ظهره، والبحلقة من وراء نظاراته السوداء في حركة المرور واستنشاق أكبر كمية من ثاني أوكسيد الكربون.
وبالأمس، بشّرنا مدير هيئة الطرق بتوقيع اتفاقية مع شركة أجنبية لدراسة إعادة تخطيط طريق الدائري الرابع ليصبح سبع حارات في كل اتجاه، وأن هناك طرقاً يتم الانتهاء منها، وقيد التنفيذ في السنوات القليلة المقبلة بمليارات الدولارات!
كل هذا جميل ورائع ومطلوب، ولكن الحل ليس فقط في بناء المزيد والمزيد من الطرق والجسور، بل يكمن في مكان آخر، وقبل التطرق إليه دعونا نسرد النكتة التالية: يقوم علماء الغرب بصرف المليارات على تحسين الأداء الجنسي للبشر، ولكنهم لا يصرفون ما يكفي على علاج أمراض النسيان وألزهايمر. وبالتالي، سيأتي يوم يتساءل فيه البشر عما تعنيه أعضاء أجسادهم!
ونحن في غمرة انشغالنا بإنشاء طرق جديدة وتوسعتها، وبناء جسور وإضافة حارات، نسينا أن المرور أخلاق وتصرف حسن قبل أن يكون مسألة هندسية. فبإمكان سائق أرعن واحد التسبب في عرقلة تدفق آلاف المركبات الأخرى.
والمأساة أن الكثير من المسؤولين لا يولون الجانب الأخلاقي في المرور أي أهمية. فوزارة التربية مثلاً لم تهتم يوماً بتضمين أخلاق المرور، أو أي أخلاق، في مناهجها. ولا أعتقد أن خطباء المساجد معنيون بموضوع المرور، وهو حتماً ليس من أولوياتهم. وبالتالي، ستبقى مشكلة المرور قائمة طالما أن الأخلاق غائبة. والدليل على ذلك أن نوعية القيادة تختلف من منطقة إلى أخرى، في نفس الوطن، فلماذا؟
وفي هذه العجالة، نتمنى على مدير عام المرور التشدد في اختبارات منح إجازة القيادة، خصوصاً الجانب التحريري منها، وضرورة توعية المتقدم بأخطار الطريق وبالعقوبات. فأغلبية من أعرف لا علم لديهم بعقوبات المرور القاسية، ومعرفتها ستدفعهم إلى أن يكونوا أكثر حرصاً.
كما أن أي حديث عن تطوير المرور من دون إيجاد وسائل نقل جماعية يصبح كلاماً لا معنى له. وننهي مقالنا بتحية المهندس جعفر بهبهاني، والتنويه بأنه الكويتي الوحيد ربما الذي ينهي أعماله مع مختلف الجهات، وهو يرتدي الغترة والعقال، مستخدماً دراجة هوائية، غالباً، مساهمة منه في التغلب على الأزمة المرورية.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top