الشيطان في التفاصيل

أقيمت قبل أيام ندوة في المكتبة الوطنية، تعلق موضوعها بـ«اليوم العالمي للترجمة»، شاركت فيها الزميلة ابتهال الخطيب، والأستاذ طارق فخر الدين، ومحاضر ثالث، لا أتذكر اسمه، ومنعني عارض صحي من حضور الندوة، ولكني حصلت على نصي كلمتي الأستاذة الخطيب والأستاذ فخر الدين.
ذكرت أ. ابتهال في ورقتها أن الترجمة لا تقل في قيمتها الأدبية قدراً عن التأليف إن لم تزد عليه، خاصة للقارئ العربي. وإن الترجمة تحتاج الى القدر نفسه من الإبداع والتمكن اللغوي والقدرات الفنية لإنتاجها، بل وتزيد بتطلبها إتقان لغة مقابلة، وإتقان المعرفة الثقافية لمجتمع هذه اللغة. وعليه، لا يمكن لمترجم حقيقي أن يكون عنصرياً أو متطرفاً أو ضيق الأفق أو قاسي القلب، فالانفتاح على حضارة أخرى وثقافة مغايرة يتطلب سعة أفق وحلم نفس وليبرالية عقل ورقة قلب، والنقل الأمين يتطلب مراقباً داخلياً أخلاقياً، والتعبير الجميل والصياغة العذبة تتطلب روحاً متواضعة وقلبا منفتحا ولهفة وشوقا للكلمة الجميلة والتعبير المتزين بلا تكلف. وتستطرد الأستاذة ابتهال بالقول إن الترجمة لا تفتح للنص باباً على العالم فقط، بل وتصنع من مترجمه إنساناً أفضل، ولربما ذاك غاية ما نحتاج، باب ينفتح على العالم وإنسان يتحول الى الأفضل.
أما الأستاذ طارق فقد أورد في ورقته أمثلة عما مر به خلال ممارسته الميدانية في مجال الترجمة الفورية والتحريرية، من قصص طريفة ومواقف مضحكة وأخرى مربكة، وثالثة قاتلة، ولدي نص كلمته لمن يرغب في الاطلاع عليها. يقول في ورقته إن المترجم تقع عليه مسؤولية كبيرة، فهو مطالب بالدقة والأمانة لأنه يتعامل مع مصالح الناس وأحيانا مصائرهم، خاصة مع غياب الرقابة والمحاسبة الرسمية، وضعف مستوى ممارسي الترجمة في السوق، وغياب اللوائح المنظمة لعملهم ومحاسبتهم، علما بأن سوق الترجمة في الكويت تعج بمكاتب ترجمة مرخصة لأشخاص ويديرها غيرهم، وبينهم من لا يتقن عمله، ولا يدرك خطورة ما يقوم به، ولا يتحمل اي مسؤولية، وقد يتسبب ضعف الترجمة في خسائر للغير. وبالتالي فإن هناك حاجة ماسة إلى قانون ينظم مزاولة مهنة الترجمة، كما هي حال دول العالم، المتعبة والمتقدمة، ويمكن بسهولة الاستعانة بالقانون المطبق في الإمارات، بدلا من الوضع الحالي الذي يتساوى فيه وضع طالب ترخيص ترجمة بطالب ترخيص أي عمل تجاري، خاصة بعد أن ألغت وزارة الإعلام شرط حصول طالب ترخيص الترجمة على شهادة جامعية تخصصية في اللغة الأجنبية.
أما بالنسبة لاعتماد المترجم لدى وزارة العدل، فيتم بمجرد قيام مكتب الترجمة بتزويد الوزارة ببعض المستندات الروتينية وبشهادة جامعية للمترجم تثبت تخصصه بإحدى اللغات الأجنبية، فلا اختبار للمترجم، ولا مراقبة فعلية لعمله.
وإلى صدور القانون، إن صدر، وإنشاء الجهة المرجعية، يقترح الاستاذ طارق قيام وزارتي الإعلام والعدل باتخاذ مجموعة من الإجراءات المشددة لوقف التلاعب والفوضى في ممارسة هذه المهنة الخطيرة من خلال قرارات إدارية سريعة.
وفي نهاية محاضرته، أورد قصة تعلقت بما يمكن أن يجره سوء الترجمة من ويلات، حيث ذكر أن الحلفاء عرضوا على اليابان، في نهاية الحرب العالمية الثانية، الاستسلام من دون شروط، وجاء الرد الياباني في كلمة واحدة متداولة، وهي موكاتسو! وتعني، ضمن معان أخرى، «سندرس الأمر»، ولكن مترجم الحلفاء اعتمد في ترجمته للكلمة على معنى وحيد لا يعرف غيره، وهو «نحن نرفض ذلك»، وكانت النتيجة قيام أميركا بإلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، وقتل أكثر من 250 ألف ياباني.
وليس لدينا الى الآن أي دليل على أن هذا الأمر قد تسبب في أي نوع من القلق لذلك المترجم.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top