عبد اللطيف الكبير

منذ أكثر من 35 عاما، وأنا أتابع ما يكتبه الزميل الكبير عبداللطيف الدعيج، الذي اعتبره أفضل من كتب في السياسة في الصحافة الكويتية، وهو كبير كتابها، من دون مبالغة، ولا مجاملة.
الغريب أنني طوال هذه الفترة، بالرغم مما أعرفه عن نفسي من «اختلاف»، لا أتذكر أن وجهات نظري، بشكل عام، اختلفت عن وجهات نظره، إن لم تتطابق مواقفنا وآراؤنا، بخلاف أمر واحد هو حرصه على تكرار وضع مسؤولية تردي أوضاعنا على المواطن الكويتي. وان هذا الأخير لو كان أكثر حرصا ودقة في اختياراته السياسية، وأكثر وعيا، لكان وضعنا مختلفا. وكرر وجهة نظره هذه في الجزء الرابع والأخير من سلسلة مقالاته عن «حلول بني نفط»، عندما ذكر أنه ليس هناك حلول جاهزة وسريعة لأزمة تدنّي أسعار النفط، فالأزمة هي أزمة المواطن الكويتي نفسه. ولو كان المواطن الكويتي عاملا ومنتجا لكانت الوفرة النفطية «وفرة» بالفعل. لكن الزميل عبداللطيف استدرك قائلا إن السياسة الريعية، العفوية بالأصل، سلبت المواطن الكويتي إنسانيته وغيّرت من طبائعه وغرائزه الاجتماعية في التنافس الشريف والثقة بالنفس وتقديس العمل والعاملين، لهذا اختفى الانتاج وضاعت الأسس!
إن هذه من المرات النادرة التي أرى فيها الزميل الدعيج يضع المسؤولية على المواطن وعلى السياسات الريعية المتبعة، التي تعتبر الحكومة هي المتحكمة بها والمهيمنة عليها. وعاد وأكد ثانية المسؤولية بالقول: وحتى لا نتيه بعيدا، فإنني ايضا أحمل السياسات والمعاداة للحداثة التي تبنتها بعض رموز السلطة والمجتمع ايضا، أحملها وزر زيادة وتأثير «الريعية» وجريمة تحييد مناعة المواطن الكويتي وتهميش قدراته على المواجهة. واستطرد بأن الازمة الحقيقية ليست ازمة موارد، ولكن ازمة الانسان الخالق والمكوّن لهذه الموارد. هذا الانسان لم يعد موجودا مع الاسف. فقد تم ترويضه جيلا بعد جيل على التكسّب، وعلى التحايل لتحصيل حقوقه، بل وحتى مقومات وجوده بكل الوسائل. انتهى الاقتباس.
وهكذا نرى أن المواطن، بنظره، تم ترويضه جيلا بعد جيل على التكسب، وهذا صحيح فكيف نلوم من تم ترويضه، ولا نلوم المروض، وهو السبب؟
وبالتالي أعتقد أن المواطن، بشكل عام، لا ذنب له فيما حدث من تدهور أخلاقي وإنساني وإنتاجي، فالحكومات لها دور في ذلك لا شك، وربما لشعور بعض اطراف في السلطة أن هذا يعمل لمصلحتها، على المدى البعيد.
لدي قريب شديد التدين، وله ميول طائفية واضحة، ومع هذا لا يتردد في كل انتخابات من اعطاء صوته لمرشح سيئ السمعة، ويختلف عنه ومعه «مذهبيا» وفكريا! وعندما تسأله عن السبب في تناقض مواقفه يكون جوابه: هذا «حماره» ماشي في الحكومة، أي أنه يحصل على ما يريد منها. وبالتالي فالحكومة هي الملامة، لأنها ساهمت في تعقيد العمل الإداري، ليضطر المواطن لأن يلجأ الى النائب ليضطر هذا بدوره للجوء الى الحكومة، وهكذا تكتمل الحلقة الجهنمية.
لقد لاحظنا جميعا كيف كانت مختلف المصالح الحكومية تعاني تسيبا في مسألتي الحضور للعمل والمغادرة المبكرة، بسبب شبه انعدام أدوات الرقابة. ولكن ما إن قرر ديوان الخدمة المدنية إخضاع موظفي الحكومة للبصمة حتى تغير الحال بين يوم وليلة، وأصبح الجميع يعلم بأن الغياب عن العمل يعني خصم مبلغ من الراتب. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تتعلم بها الغالبية كيفية احترام العمل، بعد عقود من التسيب، فمع هؤلاء لا تنفع العظات الدينية ولا النصائح الدنيوية، ولا المحاضرات الأخلاقية، بل فقط الضرب على محافظهم المالية!
إن ماما الحكومة هي التي أساءت تربية المواطن، بشكل عام، وعليها تقع مسؤولية تقويمه.

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top