قراقوش الحكومة

أتجنب في ما أكتب أو أخاطب أو أشير استخدام لقب «دكتور»، أو «الأستاذ الدكتور»، وخاصة للأكاديميين، من غير الأطباء البشريين، ليس من منطلق عدم الاحترام لهم، أو لما يحملون من شهاداتهم العليا، بل لكل هذا الكم من حاملي هذا اللقب، وما تعرض له من بهدلة وإهانة، على يد الكثيرين، وغالبا برضا ومباركة المسؤولين!
ويغيظني حقا، وقد يكدر كلامي هنا خاطر أصدقاء ومعارف، إصرار البعض على تذييل رسائلهم على وسائل التواصل، أو كتابة مقال متواضع وتذييله باسمه مسبوقا بـ«الأستاذ الدكتور»، وهذا ما لم ولا يفعله كبار سياسيي وأكاديميي العالم من حملة أعلى الشهادات وأكثرها أهمية، أمثال كيسنجر وبرترنارد رسل، وأحمد زويل وكونداليسا رايس، وعشرات الآلاف غيرهم.
وعليه، فإن الأستاذية تكون جميلة لو قمنا نحن بإطلاقها على الغير أو مخاطبتهم بها، ولا يمكن أن تكتسب عنوة من خلال قيام البعض بتكرار ذكرها في مقالاتهم، وعلى بطاقات الزيارة vc الخاصة بهم، والطلب من الغير مخاطبتهم بها! ولكن لا مانع طبعا من استخدام اللقب الأكاديمي عند كتابة مقال مهني يتعلق بصميم تخصص الشخص نفسه، أما وضع الـ«أ. د.» قبل الاسم على رسالة تويتر قصيرة، أو في نهاية مقال يتعلق بوضع حديقة الحيوان، من أستاذ رياضيات مثلا، فهو برأيي من سمات المجتمعات المتواضعة الفهم!
* * *
إن تردد وزير التربية وزير التعليم العالي، النابع من تردد الحكومة، في معالجة قضية حاملي الشهادات الوهمية، بحجة أن كشف أسماء حملتها ستنتج عنه فضائح كثيرة وكبيرة، وسيطيح بالكثير من «الرموز» وأصحاب المناصب العليا، الذين سبق أن شرعوا قوانيننا، وربما لا يزالون، وعلموا أبناءنا، ونظموا مؤسساتنا، وأداروا مراكزنا الدينية، وهم الغالبية، ورأس حربة معارضة كشف حملتها، أمر لا يمكن فهمه أو قبوله.
لقد سخر البعض وكنا أحدهم من رجل دين وداعي معروف، بعد أن انكشف أمر زيف شهادة الدكتوراه التي يدعي حملها. ولكن تبين لاحقا أن الرجل امتلك على الأقل قدرا من الشجاعة للاعتراف بذلك، وهذا ما لم يفعله الآلاف من حملة الشهادات الجامعية وشهادات الدكتوراه المزيفة، بل بلغت الوقاحة ببعضهم إلى درجة أن قاموا بتأسيس «رابطة» للدفاع عن «حقوقهم»، وللضغط على الحكومة لتعترف بصحة ما يحملون من أوراق تافهة تسمى «شهادات دكتوراه». وقد تكون الكويت الدولة الوحيدة في العالم، التي بها مثل هذه الرابطة، ولا أدري لمَ تذكرني بطرفة عن لص كسر ظهره وهو يحاول سرقة أحد البيوت، بعد أن انخلع الشباك من مكانه، الذي لم يكن مثبتا بشكل جيد، فرفع شكوى لقراقوش على صاحب البيت، فحكم بشنق صاحب البيت. إلا أن هذا وضع المسؤولية على النجار. فطلب قراقوش إعدام النجار، لكن هذا تعذّر بأنه كان ينظر إلى امرأة جميلة عندما كان يدق مسامير الشباك، وربما فلت منه مسمار أو أكثر! فطلب قراقوش شنق المرأة الجميلة، ولكن هذه وضعت الحق على من زينها في الحمام العمومي، فطلب قراقوش إعدام صاحب الحمام، الذي لم يجد لنفسه عذرا ينقذه، ولكن الجند عادوا لقراقوش، وقالوا إن الرجل طويل جدا، ولا يمكن شنقه، فطلب قراقوش إحضار صاحب حمام آخر أقصر قامة وإعدامه!
وهنا نخاف أن يأتي وقت يحاسب فيه الذين حاولوا «كشف» حملة الشهادات المضروبة، بحجة أن عملهم أدى إلى «التشهير» بهؤلاء والإساءة إلى سمعتهم!

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top