أسباب التباطؤ في الكبر

مرت قبل أيام الذكرى الـ72 لميلادنا، وهي مناسبة لم تعنِ لنا الكثير، فكيف لغيرنا؟!
التقدم في السن أمر حتمي، فهو يشبه التواجد على علو 36 ألف قدم في جسم معدني طائر، فلا أنت قادر على فعل شيء غير الاستمرار في أن تعيش حياتك، ضمن محيطك، والوصول لوجهتك، أو العودة من حيث بدأت، أو سقوط الطائرة، فلا ضمانات ولا من يفرحون، بل مجرد إجراءات نقوم بها قد تساعد في تحسن فرص إطالة أعمارنا، لكننا في النهاية مغادرون، وهذه حقيقة يعرفها الجميع، ولكن لا أحد تقريباً يود الإقرار بها، وهذا الإنكار سبب الكثير من مشاكلنا، وهذه قصة أخرى.
يقول أحد المتفائلين من كبار السن إنه عندما يتأخر في إجابة سؤال ليس لأنه أصبح أكثر بطئاً في التفكير، بل لأن مخزون معلومات ذاكرته أصبح مع الوقت من الضخامة بحيث يتطلب الأمر وقتاً أطول في البحث مقارنة بذاكرة صبي لا يعرف شيئاً عن الحياة أو المطاعم الجديدة والأدوية المسكنة وغيرها من ملايين المعلومات، وإن البحث في ذاكرة الكهل يشبه البحث عن اسم شخص ما في دليل هاتف مدينة نيويورك، مقارنة بالبحث عن اسم الشخص نفسه في دليل مدينة صغيرة مثلاً!
ويقول كبير سن آخر، مدافعاً عن نفسه وجماعته، إنه عندما يذهب لغرفة أخرى لغرض ما، ويصل إليها وينسى الطلب الذي جاء من أجله، ويعود من حيث جاء، ويكرر ذلك ثانية فإن هذا لا علاقة له بضعف الذاكرة، بعد بخاصية دفاعية يمتلكها من هم في سنه لدفعهم لممارسة الرياضة عن طريق السير أكثر.
ويقول ثالث إن السفر جواً، وخاصة في المواسم، أصبح أمراً شاقاً على الجميع، حتى على ركاب الدرجات المميزة، وبالذات على خطوط الطيران الخرطي، حيث تقوم هذه الشركة بتكديس الركاب في الحافلات كالسردين، ومحظوظ من يحصل على كرسي في الباص، لكن لا يزال الكثيرون يعطون كراسيهم في الباص لمن هو كبير في السن، وهذا يجعلهم أصحاب حظ.
كما أخبرني صديق مصاب بالبروستاتا، منذ كان في مقتبل العمر، أنه كان يعاني كثيراً، وهو شاب، عندما كان يرغب في تفريغ مثانته. أما الآن فهو لا يتردد في اللجوء لأي مكان منزوٍ وقضاء حاجته، فكبر سنه أصبح يغفر له فعلته.
كما أخبرني صديق آخر بأنه عندما كان شاباً كان يرى الدموع في عيني زوجته «الشكاكة» كلما تأخر في العودة للبيت من الديوانية. أما بعد أن أصبح كهلاً فإنه لا يزال يعود للبيت في الوقت نفسه تقريباً لكنه أصبح يجد الزوجة مستغرقة في النوم وهي آمنة، مطمئنة لـ«عجزه».
لدي أفكار كثيرة يمكن الكتابة عنها بهذا الخصوص، لكن تذكرها جميعاً يتطلب وقتاً، والجريدة بانتظار المقال، وليس بإمكان المحرر الانتظار.
وكل عام وأنتم بخير وصحة وعافية.

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top