يا فلسطين.. جينا لك

يمكنني الادعاء، ولأسباب لا تحصى، بأنني عاصرت القضية الفلسطينية طويلا جدا، وهذا يسمح لي بأن أقول إنهم، ولأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، يقفون منفردين في مواجهة أعدائهم، ولهذا سيتحقق لهم الانتصار في قضيتهم حتما، إن هم استطاعوا تحقيق العامل الآخر وهو وقف تشرذمهم. أما الاتكال على الإخوة والأشقاء فقد كان وهما، ولا يزال!
يتذكر بعض أبناء جيلي الممثلة والمطربة السورية سهام رفقي، وسيعرفها آخرون إن علموا أنها التي غنت «يا أم العباية» و«حول يا غنام» و«لو للغرام حاكم» و«يا بو الزلف» وبضع أغان قليلة أخرى، قبل ان يتزوجها صلاح الدين الأسير ويسحب اسطواناتها من السوق، وتتوفى في اسبانيا عام 2007 عن 85 عاما. ولسهام أغنية شهيرة تقول فيها: يا فلسطين جينا لك جينا وجينا لك جينا لك، كلنا رجال جينالك، لنحمل أحمالك جينالك، حواليك رجال تحميكي بالروح بالدم تفديكي، وتصون مجد العروبة، وتهلك مين يعاديكي…إلخ من كلام مرسل لم يسمن منه أحد، ولم يغن أحدا من جوع، فبعد عشرات النكبات التي تعرض لها الفلسطينيون، على مدى سبعة عقود، منذ 1948، التي حاربت فيها جيوش عربية مهلهلة ومتفرقة، عصابات يهودية مدربة ذات روح قتالية عالية، والهزائم تلاحقهم، خصوصاً بعد أن أجبرت المرة تلو الأخرى، وغالباً بضغوط من «إخوة وأشقاء» على رفض جميع الحلول، فنحن قوم لا توسط بيننا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر، فبقينا في قبورنا نندب حظنا.
لا أحد طبعا لبى نداء الأخت سهام، وذهب لتحرير فلسطين. وحتى عتاة رجال الدين الذين سبق أن أرسلوا عشرات آلاف الشباب ليلقوا حتفهم في أفغانستان وكوسوفو والبوسنة والشيشان، وتاليا في العراق، وأخيرا في سوريا، بلعوا ألسنتهم، وسكتوا حتى عن إدانة الأحداث الأخيرة، وكأن القدس ليست عروس عروبتنا ولا هي بأولى القبلتين، ولا بثالثة الحرمين.
الحقيقة التي لا يود الكثيرون الاعتراف بها أن الفلسطينيين لم يعانوا فقط من بطش وإرهاب الآلة الحربية والإعلامية الإسرائيلية، وتنكيلها بهم، بل عانوا أكثر من بطش الكثير من أنظمة «إخوتهم» بهم. كما ساهم معظم أشقائهم العرب، أكثر من غيرهم، في دفعهم للانقسام لشيع واحزاب وجبهات ومنظمات، وكل واحدة تدين بالولاء للجهة التي تصرف عليها، وأثناء ذلك ضاعت فلسطين قطعة وراء قطعة، ونسيها العرب في السنوات القليلة الماضية واصبحت مأساتها مجرد ذكرى في مخيلة البعض فقط.
إن ما يتعرض له الفلسطينيون اليوم، بصرف النظر عن موقفهم من قضية اغتصاب صدام لوطني، هو بحكم المأساة، بعد أن أجمعت دول العالم، مخيرة أو مسيرة، على تناسي قضيتهم وتجاهل عميق معاناتهم. وقد آن أوان أن يعرف الفلسطينيون أن وطنهم لن يعود إلا بجهودهم وتضحياتهم، فلا قدرة ولا حيلة، ولا حتى مصلحة، لجهات كثيرة، في عودته.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top