ذكريات أبو نقولا

يقول صديقنا اللبناني «أبو نقولا»، الذي عمل في الكويت لسنوات طويلة، كون خلالها صداقات جميلة، وعلم أبناءه في مدارسها وتطبب في مستشفياتها، ولم يغادرها إلا مضطرا، مع وقوع الغزو الصدامي العراقي، ولكنه عاد لها بعد التحرير لفترة قبل أن يعود إلى وطنه ثانية، وليتقاعد هناك. يقول أبو نقولا، تعليقا على الهجمة الأخيرة على المقيمين من غير الكويتيين: إنه كلما أمسك بصحيفة أو مجلة ليقرأها، ووجد على أي من صفحاتها ذكرا لأي خبر عن الكويت فإنه يقوم من فوره بترك كل شيء والتفرغ لقراءة الخبر أو المقالة المتعلقة بالكويت. فالكويت قد انطبعت في ذهنه ووجدانه على مدى خمسة وثلاثين عاما قضاها فيها، وحقق خلالها كيانه، وكيان عائلته. وكان لها فضل عليه في اكتساب الكثير من الخبرات والتجارب، وسمى ابنته بـ«دانا» تيمنا بلؤلؤ الكويت الثمين، وكانت لها ولبقية أخواتها صداقات جميلة مع كويتيات ومن جنسيات أخرى.
يقول متري، ابو نقولا، إنه يتذكر قصصا جميلة حدثت معه وأسرته أثناء وجودهم في الكويت، ومنها يوم قامت ابنتهم دانا من النوم تشكو من آلام شديدة في أذنها، ولأنه لم يكن متواجدا حينها في الكويت، فقد قامت زوجته بأخذ الابنة إلى جارتهم الكويتية معصومة لتأخذها إلى أحد مستوصفات الدولة، لأن طبيبهم الخاص لا يعمل يوم الجمعة. وبالفعل استجابت معصومة للطلب وذهبن إلى مستوصف الدعية، وهناك قامت معصومة بتسجيل دخول دانا على المستوصف باسمها، وأعطتها اسم والدها عبدالرحمن، للتغلب على مشكلة الدخول. دخلت الابنة والأم بالفعل على الطبيب المناوب، وكان عراقيا، حيث قام بالواجب على أكمل وجه وخفف من آلام الصبية فورا، فظهرت ابتسامتها، بعد أن زال الخوف عنها، وبدأت بالتحدث مع الطبيب عن قرب قدوم «بابا نويل»، حيث كان الكريسمس حينها على الأبواب، وكيف أنه سيحضر لها هدايا كثيرة! أثار كلامها استغراب الطبيب واستهجانه، واحتج لدى الأم، أي معصومة المسلمة، تعليم أبنائها مثل تلك الأفكار الغريبة عن المجتمع وتقاليده، وكيف يدخل بابا نويل إلى بيوتهم، حاملا الهدايا؟ لفلفت معصومة الموقف، وقالت للطبيب إن ما سمعه من الصبية هو من تأثير مدرستها الأجنبية، وأنها تعده بأن تصحح الأمر. حدث كل ذلك، والأم الحقيقية صامتة، فهمها كان التخفيف من آلام ابنتها، وليس الدخول في جدال.
عندما خرجن من هناك قالت معصومة لدانا: آه يا دانا يا طويلة اللسان، شتبين من بابا نويل؟ لكنها استدركت وقالت لأمها: هل هذا طبيب أم واعظ ديني؟
أكتب لأقول إن الكثيرين تركوا الكويت للأبد وفي قلوبهم إما غصة لفراق مكان أحبوه، وأحسن إليهم، أو في قلوبهم حسرة على وقت أضاعوه في مكان لم يحترم آدميتهم! وبالتالي من مسؤوليتنا، إنسانيا ووطنيا، جعل إقامة الوافد بيننا أكثر جمالا، ليتذكرونا بالخير دائما.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top