كيف نفسد المواطن؟

تقوم الدولة، من منطلق مسؤوليتها الاجتماعية، بصرف إعانات لفئات كثيرة من المجتمع، كالأرامل والمطلقات والعجزة وربات البيوت والمعاقين وغيرهم. وتجاوز الكرم الحدود ليصل مبلغا كبيرا للمواطن الراغب في العمل في القطاع الخاص، بدلا من العمل الحكومي المضمون والمريح، نسبيا. كما تقوم الدولة بمنح المقبلين على الزواج قرضا من دون فائدة، هذا غير هدية الـ 2000 دينار. كما تساهم ميزانية الدولة بكرم في دفع إيجار سكن الذين لا عقار ولا تجارة لديهم، هذا خلاف ما تقدمه الحكومة من دعم لأسعار المواد الغذائية والكهرباء والماء وحتى دعم ثمن أعلاف الماشية وغيرها من إعانات ومساعدات تكلف الدولة المليارات سنويا.
وبسبب طبيعة شعبنا الغارق في العبادات، والذي لم تحسن الدولة تربيته، على الرغم من إصرارها على تسمية وزارة التعليم بوزارة «التربية» فقط، وبسبب «العادات والتقاليد الأصيلة»، فقد حولت هذه الإعانات والمنح جزءا من الشعب، وهو جزء مخيف على قلته، لنصابين ومزورين، ومحترفي احتيال. فلا يكاد يمر يوم دون أن تنشر الصحف خبرا عن كشف حالات تزوير وغش وتحايل هنا وهناك من مواطنين «مؤمنين»، صائمين ومصلين! فعدد المعاقين في الدولة تضخم، ووصل إلى عشرات الآلاف، وشكل ذلك استنزافا لموارد الدولة، وعرقل وصول المعونة لمستحقيها الحقيقيين، وتبين لاحقا أن أعدادا كبيرة منهم لا يستحقون المعونة، وحصلوا على شهادات طبية بالتزوير، ولم نسمع يوما بمحاسبة طبيب على إصدار شهادات إعاقة تلك، بل تمت ترقية بعضهم لمتحدثين باسم الوزارات!
وبالتالي يمكن القول إن هذه المنح والمساعدات ساهمت في تدهور الشعور بالمسؤولية العامة، وفي نشر «ثقافة» استسهال، أو جواز سرقة الأموال العامة.
ثم جاء أخيرا نظام التأمين الصحي للمتقاعدين، الذي يعطيهم الحق في تلقي العلاج والدواء في المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة مجانا، والذي خلق بصورة تلقائية نوعا مختلفا من عمليات التحايل والإثراء غير المشروع، وهذه المرة من قبل بعض الجهات الطبية غير المسؤولة، التي أصبح بعضها يبالغ في وصف العلاج للمتقاعد، ويطلب منه إجراء فحوصات مختبرية قد لا يكون بحاجة إليها، فقط لزيادة ما يمكن تحصيله من شركة التأمين. وننصح المتقاعد بالاتصال برقم 1811110 في حال شعوره بوجود استغلال.
إن السبب في تزايد حالات النصب والتحايل والتلاعب، مع كل موجة التدين التي يغرق فيها المجتمع، تعود في المرتبة الأولى إلى غياب الوازع الأخلاقي، بمعناه الشامل. فقد نكون بالفعل شعبا أمينا طيبا، ولكن بعضنا مع بعض. وقد نكون شرفاء ولكن في الحدود التي نعرفها، فمعنى الأخلاق أوسع بكثير من المعنى الذي نحاول حصره فيه. ولكي نكون أخلاقيين فإن الأمر يتطلب الشفافية، والشفافية تستوجب توفير أفضل الحلول لمشاكل المجتمع. فكما شاركنا الشركات العالمية في مشاريع البناء الضخمة، فإننا مطالبون بإشراك شركات التأمين العالمية في مشاريع التأمين على المتقاعد، وعدم حصرها في الشركات المحلية، فالمهم هنا مصلحة المتقاعد.
● ملاحظة: سنتوقف عن الكتابة لفترة بمناسبة الأعياد والسفر.. وكل عام والجميع بخير.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top