العطاء وليس الأخذ

عشت سنوات مؤمناً بأن الإنسان وُجد لكي يكون سعيدا، وكتبت عن ذلك بضعة مقالات، سواء من واقع تجاربي الشخصية، أو من تجارب الآخرين، من علماء نفس وغيرهم. ولكن صدر مؤخرا كتاب بيّن أننا عندما نجعل هدفنا في الحياة أن نكون سعداء، وأن نسعى لذلك، فقد تنتهي الحال بنا لأن نشعر بالوحدة، ونصبح تعساء، ومن الأفضل بالتالي السعي لجعل حياتنا «ذات معنى»! فالبحث عن السعادة فقط من خلال التركيز على إرضاء الرغبات لن يؤدي لغير الشعور بالفراغ، بينما لو عشنا حياة ذات معنى، من خلال القيام بخدمة الآخرين، ومساعدتهم، بالمنح وليس بالأخذ، فإن هذا سيحدث فرقا.
وأحد الفروق بين السعي للحصول على السعادة، أو أن نعيش حياة ذات معنى يكمن في صعوبة النوع الثاني، لتضمنه التضحية والعطاء، سواء كان مالا أو وقتا أو عاطفة! وبالتالي فالحياة ليست أن نكون سعداء، بل بأن نجعلها ذات معنى، وهذا سيسعدنا كثيرا في نهاية الأمر.
ولو قمنا بدراسة الأسباب التي دفعت الكثيرين للانتحار، لوجدنا ان غالبيتهم لم يشكوا من التعاسة، ولكنهم عانوا من الفراغ، ولم يكن لحياتهم معنى.
جاء ذلك في كتاب الباحثة الأميركية إميلي اصفهاني سميث emily esfahani smith التي ذكرت فيه بأن الواحد منا يجد المغزى أو المعنى في حياته حتى في أصعب الظروف، وإن هذا يعطينا الدافع لمواصلة العيش، في حين السعي للحصول على السعادة، الذي يرضي كل نزواتنا ورغباتنا، يؤدي في النهاية للفراغ. فالسعادة عادة ترتبط بالشعور بالصحة، وبالنشاط، وبأننا في الجانب المتلقي، وهذا لا ينتج عنه عادة معنى لحياتنا، لأننا لا نعطي شيئا للآخرين.
وقالت إن جيل الألفية أصبح أكثر اهتماما بأن تكون لحياته معنى، وبالتالي أصبحوا، عند البحث عن الوظيفة المناسبة، ينظرون، إضافة للمقابل المادي، لما تعنيه الوظيفة لهم، ولما ستضيفه لحياتهم من معان وأهداف.
وهذا المعنى قد يختلف من شخص لآخر، فالبعض بحاجة لعلاقات تعطيهم الإحساس بالانتماء، وان هناك حاجة لهم، وأن ما يقومون بادائه من عمل له معنى. وبالتالي، إن أردنا غير الراغبين في مواصلة الحياة، أو التعساء، فإن علينا أن نجعل لوجودهم هدفاً ومعنى، وليس العمل على إسعادهم. ويمكنني القول هنا، من واقع تجربتي مع العشرات الذين قمت بمقابلتهم لتوظيفهم، خاصة أولئك الذين أرسلوا من جهاز دعم العمالة، او الهيكلة، والذين مرت سنوات طوال عليهم بلا عمل: إنهم في غالبيتهم يعيشون بلا هدف او غرض، وهم في الغالب تعساء، وهذا جعلهم أقل إقبالاً على العمل، وأكثر قرفا من الحياة، لعدم وجود معنى أو هدف، يعملون من أجله.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top