خرافة الأصل والفصل

تزايد في الفترة الأخيرة تداول كشوف تبيّن أنساب وأصول أسر الكويت، وقبائلها، متضمنة في الغالب كمّاً كبيرا من الحقيقة، غير المهمة، وكمّا آخر من الادعاءات والأخطاء الخطيرة، التي لا يمكن النظر لها بحسن نية أبدا، هذا بخلاف أن هذه «المعلومات» لا تنسجم أصلا مع ظروف العصر، بعد أن تجاوزها الزمن!
من المعروف أنه كلما زادت مدنية الدولة، اضمحلت الفوارق بين فئات المجتمع وأصبح أكثر تلاحما. وكانت الكويت سبّاقة في مجال تمدين مكوّنات الشعب، والدولة الخليجية الأولى، أو الوحيدة، التي اختارت، في بدايات نهضتها التخلص من الإرث القبلي عن طريق خلط مكونات المجتمع ودفعها للمشاركة في السكن بعضها مع بعض في ضواحي السكن النموذجية الجديدة، وهذا ما رأينا في بداية ستينات القرن الماضي في السرة والدعية والشعب، وبعدها، وإن بشكل أكثر كثافة في بيان ومشرف، وبدرجة أقل تاليا في الأندلس والعارضية. ثم رأت جهات في الدولة، مع تزايد حركة التجنيس العشوائية، أن من الأفضل السماح للفرز القبلي والمذهبي لأن يأخذ مداه، عن طريق فتح الباب لتبادل بيوت السكن بين منطقة وأخرى، لغرض تعزيز الصوت الانتخابي، في المنطقة «أ»، بنقله من المنطقة السكنية «ب»، حيث لا قيمة له! وهكذا نشأت، بعلم الحكومة ورضاها، مناطق انتخابية كاملة ذات لون قبلي أو مذهبي واحد.
لفولتير مقولة شهيرة، نصّها «حقّق النجاح في حياتك وسيغنيك ذلك عن الزهو بتاريخ أجدادك»! ويبدو أن فشل البعض في حياتهم كأفراد، يدفعهم دفعا للزهو بتاريخ أسرهم، أو قبائلهم. ولقد رأينا، مرارا وتكرارا، كيف أصبح أشخاص من خلفيات أسرية عادية، كرفيق الحريري في لبنان والفايد في مصر والخاشقجي في السعودية، ومئات من أمثالهم في كل دول الخليج ودول العالم الأخرى، مع التقدير والاحترام لهم، كيف أصبحوا شخصيات شهيرة وهدفا للمصاهرات، بمجرد أن حققوا نجاحا سياسيا أو ماليا عظيما، وهو النجاح الذي أدى إلى تغيّر النظرة الاجتماعية لهم، على الرغم من عدم وجود قبائل أو أسر كبيرة تقف خلفهم، ولا ألقاب «نبيلة» تسبق أسماءهم!
ذكرنا في مقال سابق لنا عن هذا الموضوع أنه عندما أراد الأمير رينيه، عاهل موناكو الراحل، الزواج، قام باختيار نجمة سينمائية من هوليوود، وليس من بنات أسر أوروبا الملكية مثلا. كما يمتلئ فضاء الإنترنت أيضا بأخبار اقتران أمراء ونبلاء بفتيات أسر شهيرة، متواضعة، الخلفيات، إما لشهرتهن، وإما لجمالهن، والعكس صحيح!
نعود لمقولة فولتير إن ما علينا غير أن نبلي البلاء الحسن في الحياة، وستأخذ بقية الأمور مجراها الطبيعي.
* * *
• ملاحظة:
فضّل تجار الكويت الشرفاء قديما وحديثا، التعامل مع تجار من الهند والصين وأفريقيا، حتى لو كانوا ملحدين وكفرة، ولكن شرفاء، من التعامل مع بعض التجار، والشركات يديرها «حرامية» وغير شرفاء، حتى لو كانوا من المسلمين!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top