الإرادة والإدارة

سمو رئيس مجلس الوزراء.. لا أعتقد أني سأصبح يوما أحد مستشاريك، وإن حدث ذلك، فسأشير عليك فقط
بترك %90 من مشاغلك اليومية لوزرائك ومساعديك، والتفرغ لإصلاح النظام التعليمي المترهل والمتخلف، ليس لأنك الأفضل في هذا المجال، وأنا أصلا لست أفضل منك فيه، بل لما يعنيه وجودك ودعمك من أهمية، ولما تمتلك من قدرة على تذليل كل صعوبة يجد وزير التربية وفريقه الفني أنها تعيق عملهم.
من أكبر الأخطاء عند تشكيل الحكومات، خاصة في الدول المتخلفة، كالكويت، معاملة وزير التربية كغيره من الوزراء، وتغييره المستمر. تصبح المسألة أكثر ضررا مع غياب أي خطة تعليم يمكن الاسترشاد بها على المديين المتوسط أو الطويل. ليس صعبا تذكر أسماء 20 وزير تربية في نصف القرن الماضي، وغالبيتهم لم يتركوا أثرا يذكر وراءهم، ربما لأن من عينهم لم يسمح لهم، أو من ترك له الخيار لم يمهلهم، أو أمهلهم وترك لهم الخيار، ولكنهم كانوا غالبا من التيار الديني المتشدد، فخربوا أكثر مما أصلحوا.
نظامنا التعليمي، كما يدرك أي مرتب أو أستاذ جامعي، وحتى صاحب عمل، نظام متخلف، وبانحدار، على الرغم من صرف المليارات عليه، وهو أساس كل ما نشكو منه من بلاء. فكل ما يصرف على تطوير وتحديث الأنظمة يضيع مع وقوعه في أيدي مخرجات التعليم السيئة. ولإصلاح هذا الخلل يتطلب الأمر الاهتمام بالأمور التالية:
أولا: المناهج التربوية. ثانيا: البيئة والإدارة المدرسية. ثالثا: تطوير المعلم. رابعا: التقييم والقياس، أي طريقة ونوعية تقييم الطالب. خامسا: السياسات التربوية. وأشير هنا يا سمو الرئيس، ويا معالي وزير التربية، إلى أن معظم هذه الجوانب لم يسبق أن اكترثت بها الحكومات، ربما لشعورها بأن التصدي لها يتطلب جهدا ووقتا، من الوزير المعني، هذا ان يتم نسف أي تطوير من قبل من سيأتي بعد الوزير، خاصة أن أعمار وزارتنا قصيرة أصلا.
إن كل جانب من الجوانب أعلاه يحتاج إلى برامج وخطط تدريب مكثفة وقبول من السلطة، وتعاون من الطاقم التعليمي والإداري، ولكننا نجد أن أكثر الجهات المعيقة لعملية التطوير هي «جمعية المعلمين»، التي سمحت لها «السلطة» بالتدخل المستمر، وعرقلة أي تغيرات جوهرية، ودس أنفها «السياسي» في صميم عمل الوزارة.
هذا على مستوى التعليم العام، أما على مستوى التعليم الجامعي وكلية التربية، التي تعد المعلم، فمن الضروري أن تنسق مناهجها مع المحاور الخمسة أعلاه، لكي تكتمل عملية التطوير. وأهم محور يقع على عاتق الجامعة مسؤولية التصدي له هو تغيير سياسات القبول بتشديدها، من خلال رفع معدلات القبول، واعتماد «التوفل» tofel، لإتاحة المجال للمتفوقين فقط للالتحاق بالجامعة. فمن الاستحالة الاستمرار في سياسة قبول عشرات الآلاف من خريجي الثانوية في الجامعة أو المعاهد التطبيقية، خاصة أن غالبيتهم يتجهون إلى الفروع السهلة. فما تصبه الجامعة وكليات التعليم التطبيقي في سوق العمل سنويا يزيد على حاجة السوق بكثير، بسبب رداءة المخرجات، ورتابة التخصصات، كالشريعة والتربية والعلوم الاجتماعية، وحتى الحقوق.
ويعتقد بعض خبراء التعليم أن جامعة الشدادية يجب قصر الالتحاق بها للمتفوقين في المواد العلمية الحديثة. ويضيف أن علينا العمل على تغيير «ثقافة المجتمع»، التي تؤثر في خيارات الطالب، من خلال جعل التخرج في جامعة علمية هدفا رائعا بحد ذاته.
هذه مجرد أفكار، ولدينا الكثير غيرها، التي يتطلب الأمر الإنصات إليها، ولكن قبل ذلك نحن بحاجة إلى إدارة قادرة على وضع خطة تعليم عصرية واضحة، وإدارة قوية تقوم بتنفيذها.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top