الليبراليون المزيّفون و«الإخوان»

يعتقد بعض «الليبراليين الأصيلين»، وليسوا المزيفين من أمثالنا، أن بالإمكان احتواء تنظيم الإخوان المسلمين وتدجينه، أو ترويضه، وإدخال قياداته أو إشراكهم في العملية السياسية، بعد رفع الحظر عنهم، أسوة بما حصل مع الأحزاب المسيحية في دول اوروبا الغربية، التي تحوّلت مع الوقت، لأحزاب أقرب الى العلمانية منها للمسيحية، حسب قولهم. ويعتقد هؤلاء أيضا أن «الإخوان» سيتقبلون مع الوقت العمل ضمن اللعبة السياسية، والقبول بالخسارة، كقبولهم بالفوز!
هذا الكلام يدل على وهم، أو جهل قائليه بالتاريخ، وبتاريخ «الإخوان المسلمين» بالذات، أو ربما لهم في قولهم مآرب أخرى لا نعرفها.
إن مقارنة الإخوان المسلمين بالأحزاب «الديموقراطية المسيحية» في أوروبا الغربية مقارنة ساذجة، لا بل مضحكة! فغالبية الأحزاب الغربية لم تأتِ من خلفيات إرهابية، ولم تحمل يوما شعارا يتضمن سيفين يبثان الرعب في قلوب الأعداء، عن طريق الإرهاب، بل كانت في الغالب الأعم حركات سياسية مدنية، حتى لو حملت تسمية مسيحية.
أما ما كتبه البعض بأن القيادات السياسية لبعض الدول العربية لديها «وسواس» من «الإخوان المسلمين»، فهو تبسيط مخلّ للعلاقة بين تلك السلطات وبين تنظيم الإخوان الإرهابي الذي يجر وراءه، على مدى تسعين عاما تقريبا، سلسلة طويلة من عمليات الاغتيال والمشاركة في انقلابات دموية وحركات عنف طالت أكثر من دولة، ليس آخرها ما اصاب سوريا من خراب وتدمير وقتل وتهجير، كان لــ «الإخوان»، غير السوريين بالذات، يد طولى فيه، مع غيرهم!
إن الفكر الذي انطلقت منه الأحزاب السياسية الغربية يقف وراءه مفكرون تنويريون قل نظيرهم في عالمنا من أمثال جون لوك وجان جاك روسو، توماس هوبز وإيمانويل كانت، وغيرهم، بينما يقف خلف فكر الإخوان حسن البنا المتواضع الفهم والتعليم، وجيش من الغلاة من أمثال المودودي وابو الكلام آزاد، وسيد قطب وغيرهم.
إن المسألة ليست عناداً، ولا رفضاً لشريحة من المجتمع، تتمثل في الإخوان او غيرهم من أتباع الحركات الدينية، بل مسألة مبدأ. فقبل أن يقوم هؤلاء بمطالبتنا، في جلسة دافئة وحميمة، بضرورة تقبل الإخوان، والتوقف عن معاداتهم، وتسهيل مشاركتهم الآخرين في العملية الديموقراطية، فإن عليهم التوجه بنصائحهم للإخوان ومطالبتهم بضرورة تغيير نهجهم، وتخفيف غلوهم، وإيمانهم بالعنف وسيلة للوصول الى السلطة، وكيف أن الإرهاب خير وسيلة لبعث الرعب في قلب العدو، مهما كان هذا العدو. فبغير هذا التغيير الجذري في مواقفهم وفي أساسيات أفكارهم السياسية الدينية لا يمكن لأي فرد أو نظام أن يأمن شرهم، وبالتالي لا يمكن قبول «الإخوان» او التعايش معهم، لأنهم أصلا يسعون، فكرياً، لفنائي، ومسح غيري من المُعادين لهم من الوجود.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top