المعنوية

تواجه إنسان اليوم مشاكل عدة، تبعا لأين وكيف يعيش. ولا يمكن لأي عامل منفرد، مهما ارتفعت أهميته، كالدين أو الثراء المادي، أو المستوى التعليمي، حتى لو كان عاليا، أن يحل كل مشاكله. كما ليس باستطاعته الانعزال عن العالم، مهما كانت درجة تعصبه، هذا إن أراد الاحتفاظ بقواه العقلية. فقد رأينا كيف هرع غلاة المتطرفين وكارهو الغرب وحضارته ولاعنو منتجاته، والداعون للانعزال عنه، كيف هرعوا لتناول أنجع أدويته، ولو كانت مستخلصة من الخنازير، وتلقي أفضل علاجه، لكي يبقوا على قيد الحياة فقط! وبالتالي، قبلنا أم رفضنا، فإن مآلنا في نهاية الأمر يكمن في قبول الآخر، سواء كان مؤمنا أو كافرا أو ملحدا، طالما أن مصلحتنا في نهاية الأمر تتطلب الانسجام مع الإنسانية، والتعايش مع الآخر والقبول بشروط تلك المعيشة المتعلقة بحقوق الإنسان والمواثيق العالمية الأخرى، وبخلاف ذلك على الرافضين للغير، من شرق وغرب، الانزواء في الصحاري أو اللجوء لكهوف الجبال، فلا مكان في عالم اليوم، وإن بعد حين، للبداوة والتعصب والانعزال والانغلاق.

وفي محاولة للتقليل من مادية الحياة الغربية، يدعو المفكر الإيراني مصطفى ملكيان في كتابه «الدّين وأزمة المعنى في العالم الجديد»، والذي قام بترجمته باقتدار الزميل فاخر السلطان، بالتركز والتمسك بمفهوم المعنوية (spirituality)، أو ما يسمى بالقيم الروحية، التي يقول إنها لا تختلف بالضرورة مع الدين، بل هي جوهر الأديان، وبالتالي ليس في الأمر اي انتهاك لحرمة الدين، بل التمسك بها يعني الوصول للب وجوهر الدين. وعن طريق المعنوية يمكن أن نفك عقد كثير من المشاكل والمسائل التي تواجهنا بالمشاركة والمعايشة مع الإنسان الحديث، وهي المشاركة التي لا يمكن أن تتحقق عن طريق الدين التاريخي وحده، خصوصا وقد ثبت ان مشاكل العصر التي تواجهنا لا يمكن حلها عن طريقه، بل بالجمع بين العقلانية والمعنوية، من دون التضحية بإحداهما، ولا يعني ذلك رفض الدين او التدين.

ويقول ملكيان إن كل صور خيبة الأمل، اليأس، الاضطراب، القلق، الخوف، الحزن، الندم، والشعور بعدمية الحياة وفقدان الراحة النفسية، والانشغال بالمشاكل الشخصية، هي صور نراها اليوم وموجودة في جميع المجتمعات، حتى الإنسان المتصف في ظاهره بالتديّن. والحياة بالنسبة لكثير من هؤلاء لا تحمل أي معنى، ومن ثم لا يشعرون بأي راحة نفسية، رغم أنهم متديّنون، حسب ظاهر سلوكهم، فما السبب؟ من الواضح أن التدين تاريخياً لم يساهم في حل مشكلاتهم. فالذين يقدمون على الانتحار متديّنون، والذين يظلمون الناس، متديّنون، والذين يرتكبون الجرائم ويمارسون القتل والتعذيب متديّنون. وجميع هؤلاء ليسوا على استعداد للتراجع عن سلوكهم هذا. لكن الإنسان المعنوي لا يعاني من خيبة الأمل ولا يشكو عدم الاستقرار ولا يئن من فقدان السعادة، الحياة بالنسبة إليه لها معنى، تجلب له الراحة النفسية، وبالتالي فإن الخلاص يكمن في التزاوج بين المعنوية والدين التاريخي.

الموضوع طويل وشيق، ويمكن الرجوع إليه في الإنترنت.



أحمد الصراف

 

الارشيف

Back to Top