اليهودية.. ونحن (1 ــ 2)

لا يزيد عدد اليهود في العالم على 15 مليونا، ومع قلة عددهم، فإن حضورهم ــ عالمياً ــ وتأثيرهم ــ سياسيا وعلميا وفنيا واقتصاديا ــ يبلغان عشرات اضعاف عددهم.

وليس من المعروف، على وجه الدقة، سبب تفوقهم الواسع والهائل وتميزهم الكبير، مقارنة بغيرهم، خاصة أنهم الأفضل تعليماً والأطول عمرا في المجتمعات الغربية، مقارنة بغيرهم من أقليات. ويعتقد أن سبب تفوقهم يعود الى عوامل محددة ليس بينها ما هو غير طبيعي، وليس بينها رغبتهم في الانعزال، فقد كان اختلاطهم وتزاوجهم بغيرهم في أوروبا طبيعيا، قبل ان يأتي هتلر ويعيد فرزهم ويسعى تاليا للقضاء عليهم. كما لا يمكن القول إن رفضهم، من منطلقات دينية، التزاوج بغيرهم، وبقاء نسلهم الأقل اختلاطا بدماء الآخرين، هو سبب تفوقهم، فالعكس اكثر صحة.

وبالتالي لا تبقى غير أسباب تعود الى إيمانهم التاريخي بأنهم، كجنس يتبع دينا معينا، أفضل من غيرهم، لتوصلهم في مرحلة مبكرة الى فكرة الدين السماوي، الأكثر تعقيدا، مقارنة بديانات ذلك العهد الأقل تعقيدا في محتواها، وجوهرها. كما أنهم عاشوا قلقين في مجتمعاتهم، وهذا دفعهم الى البحث والتحصيل العلمي، والتفوق على غيرهم، لإثبات كونهم الأفضل، ولحماية جنسهم.

وبالتالي ليس غريبا أن نلاحظ تقدم مرتبة الجامعات ومراكز الأبحاث في إسرائيل، التي تأسست قبل اقل من سبعين عاما، على «نظيراتها» العربيات، التي يعود تاريخها لألف عام، والتي ليس لها اي مكانة علمية تذكر.

وبالتالي يمكن إرجاع الفضل الى تفوق اليهود، وهو أمر لا جدال فيه، لعشقهم الكبير للحرية والعلم. وقد استفادوا من أجواء الحرية ومن التحصيل العلمي في السيطرة على عصب القوة عالميا، وهو بناء الثروات، وتركيزها وتنميتها.

كما أن هناك سببا آخر لتفوقهم، غير الاهتمام الشديد بالعلوم، والذي له بنظرنا دور مهم في التفوق، ألا وهو إيمانهم بالحرية، والدينية بالذات. فغالبية اليهود الذين برزوا عالميا، خاصة خلال القرنين الماضيين، كانوا في غالبيتهم من غير المتدينين. وبالتالي فإن فوز اليهود بـ180 جائزة نوبل في مختلف العلوم لم يكن مصادفة أو بسبب قوة اللوبي الصهيوني، أو دعم الغرب لهم، بل لما أتاحته الحرية الدينية والفكرية من فضاء واسع للإبداع، من دون خوف من عقاب.

وبالتالي ليس غريبا ان نكون نحن الأقل قدرة على صنع المعرفة أو نشرها، كما ذكر الباحث الراحل عبدالوهاب المسيري في موسوعته. فعلى الرغم من إيمان غالبية اليهود بصحة معتقدهم، فإنهم لم يتأثروا يوما بما يوجه له ولرموزهم الدينية من نقد وسخرية، وإظهارهم في صور ومواقف هزلية على لسان أكبر كوميديي العالم، ومن اليهود غالبا، ومع هذا بقي دينهم على مدى اكثر من 3500 عام! أما نحن فما ان نجد رسما بسيطا حتى تفور الدماء في عروقنا، وهي الدماء التي لم تثر يوما على كل هذا التخلف الذي نحن فيه.


• ملاحظة:

أثبت اختيار صادق خان عمدة للندن، بدلا من منافسه، الملياردير اليهودي زاك غولد سميث، مرشح «الحكومة» وحزب المحافظين ورئيس الوزراء، سخافة مقولة سيطرة اليهود على العالم!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top