الأولوية لليوروفايتر

لا شك أن الفوارق المادية بين البشر في ازدياد مستمر. والصراحة أنني لم أكن أتصوّر أنها بهذا الحجم، بين الذين يملكون كل شيء، وبين الذين لا يملكون. كما لم أكن أعلم أيضا أن تسارع الهوة هو بهذا الحجم المقلق.

بيّن تقرير، اعتمد في أرقامه على البيانات الصادرة عن هيئات تابعة للأمم المتحدة، وخاصة تلك المتعلقة بالفقر والتعليم والغذاء، والتي تعتبر تقاريرها شهادة على مدى عدم إنسانية الإنسان، وكيف أن آخر اهتمام من يملك اتجاه من لا يملك، بينت أن نحو %80 من سكان العالم لا يمتلكون أي ثروة تقريبا. كما يصعب تمييز هذا الفرق في أي رسم بياني، لضآلة ما يأخذه من حيز بياني. أما %2 من سكان العالم فإنهم يستأثرون بأكثر من نصف ثروات الكرة الأرضية. ولو نظرنا للرسم البياني بطريقة محددة، واخذنا التعداد الإجمالي لسكان الأرض، الذي يقدر بأكثر من 7 مليارات نسمة، وقلصناه لمئة فرد، وقمنا بتوزيع مجمل الثروة البشرية، التي تقدر بـ223 تريليون دولار، على هؤلاء المئة، لوجدنا أن غالبية المئة لن ينالهم شيء، وهم معدمون، لدرجة لا يستطيعون فيها تعليم أبنائهم، ولا توفير العلاج لهم، دع عنك وجود مال بين أيديهم. مقابل ذلك، نجد أن %1 فقط من البشر يمتلكون %43 من الـ223 تريليون دولار، بينما %80 لا يمتلكون غير %6 من الـ223 تريليوناً.

ولكن حتى هذه الأرقام لا تبين بدقة مدى تردي أوضاع غالبية البشر، فثروة 300 شخص في العالم، من أمثال بيل غيت وكارلوس سليم ووارن بوفيت، وغيرهم من كبار أثرياء العالم، تعادل ثروة 3 مليارات إنسان، وهذا يعادل سكان الصين والهند والبرازيل مجتمعة.

والغريب أن الوضع لم يكن كذلك قبل 200 سنة تقريباً، عندما كانت الدول الغنية أكثر غنى من الفقيرة بثلاثة أضعاف فقط. وارتفع الفارق، مع نهاية المرحلة الاستعمارية، ليصبح 35 ضعفاً، أما اليوم فوي 80 ضعفاً!

وبالرغم من أن الدول الغنية، كأميركا والاتحاد الأوروبي، تحاول جاهدة سد هذا الفارق، بما تبذله من معونات للدول الفقيرة، من خلال منحها ما يعادل 130 مليار دولار سنوياً من المساعدات المادية والغذائية، فإن الفجوة باتساع مستمر، على الرغم من ضخامة مبالغ الدعم الممنوحة، والسبب أن الشركات الغربية الكبرى تقوم بتحصيل ما لا يقل عن 900 مليار دولار من الدول الفقيرة في صورة سلع وخدمات. كما تتحمّل الدول الفقيرة مبالغ مليارية كفوائد قروض.

وهكذا نرى أن الوضع مأساوي، ولا أمل في إصلاحه، ومع هذا نرى أن هناك سباقاً محموماً للتورط في حروب جديدة، وصرف أكبر على شراء أعتى وأكثر الأسلحة كلفة وفتكاً، خاصة من الدول العربية والإسلامية، بارك الله، ورسله وملائكته، فيها!



أحمد الصراف

 

الارشيف

Back to Top