تجربة والت بتنجر


قام والت بتنجر walt bettinger، رئيس شركة مرطبات شواب charles schwab العالمية، بإجراء تجربة فريدة من نوعها، ذكرتني بتجربة سبق أن قمت بها قبل أكثر من نصف قرن.

ففي اليوم التالي لترقيتي مديراً، وتعييني في أكبر فروع البنك، من حيث عدد الموظفين، وردني بعدها بأيام قليلة مغلف «سري جدّاً»، بداخله نماذج تقييم أداء موظفي الفرع، مطلوب تعبئتها، وإعادتها للإدارة العليا، لاتخاذ قرار الترقيات وزيادات الرواتب للسنة التالية.

بسبب جهلي بقدرات موظفي الفرع، أمضيت أسبوعاً في مراقبة أداء كل موظف، وكتابة ملاحظاتي في دفتر خاص. قمت بعدها، وبخلاف تعليمات الإدارة «الإنكليزية» باطلاعهم على النموذج السري، وقلت لهم انني كنت أجهل أسس تقييمي، وأنا موظف صغير، ووجدت الآن أن من حقهم معرفة الأسس التي على أساسها سأقوم، بصفتي، بتقييمهم. ثم أمضيت الأسبوع الثاني في مراقبتهم، وتدوين ملاحظاتي على تصرّف وطريقة تعامل ومظهر كل موظف مع زملائه ومع عملاء الفرع، وقارنت ملاحظاتي الأولى بالثانية، لأرى مدى التغيّر في تصرّف كل موظف، وقمت على أساس ذلك بمنح أعلى الدرجات لأولئك، الذين لم تتغير تصرفاتهم قبل وبعد معرفتهم بمحتويات نموذج تقييم الأداء.

نعود لتجربة والت، الذي حاول، بطريقة غير تقليدية، معرفة قدرات المتقدمين للعمل في شركته الضخمة. فهو يقوم أولاً بطرح اسئلة على المرشح تتعلق، مثلاً بما يعتقده أعظم إنجاز حققه في حياته، لمعرفة ما إذا كان اهتمامه يدور حول شخصه أم العالم الأوسع من حوله. كما يقوم بسؤاله عن أكبر إخفاقات حياته، وهل يلوم نفسه أم الآخرين عليها؟

وأحياناً يقوم بدعوة المرشح للعمل لديه لوجبة افطار في اليوم التالي، ثم يصل الى المطعم قبله بقليل، ويطلب من النادل أن يقدم للمرشح صنفاً يخالف تماما ما طلبه، ليرى رد فعله، ومنه سيتبين له كيفية تعامل المرشح مع المشاكل التي ستواجهه، وسيعرف من خلال التجربة كيف يعمل قلبه، وليس فقط عقله! كما أن غياب أي رد فعل من المرشح على خطأ النادل يعني أنه خجول، ولا يعطي التفاصيل أهمية تذكر، وهذا لن يحسب لمصلحته، وبالتالي من الأفضل دائما في الحياة أن نبدي رأياً في ما يحصل، ولكن بإنسانية وتهذيب.

ويقول والت إننا جميعا معرضون للخطأ، والمسألة تكمن في كيفية استعادة زمام المبادرة، ورباطة الجأش، وكيف نكون عادلين ومؤدبين عندما يرتكب الآخرون خطأ ما في حقنا.

الحياة تجربة مستمرة، تمتد طوال العمر. ومن يقول انه «يفهم»، حتى لو كان يفهم، فهو جاهل.


أحمد الصراف

 

الارشيف

Back to Top