جبار وجبرائيل

ربطت عبدالجبار وجبرائيل علاقة صداقة متينة. بدأت علاقتهما بالحي، وقويت بزمالة المدرسة، ولحمت بانضمامهما لفريق الكرة نفسه، واستمرت مع رباط المصاهرة.

على الرغم من كل ذلك التشابه الأخوي والعائلي والنفسي بينهما طوال أكثر من نصف قرن، فإنه كان هناك ما يفرق بينهما، ويجعلهما مختلفين. فجبار عنيف، يميل الى اتخاذ القرارات السريعة، ولا يعرف الحلول الوسط، متشدد مع بناته، و غير مستعد للاعتراف بالتناقضات التي يعيشها في حياته، على كثرتها، بل يعتقد أن ما يفعله صحيح، وهذه تقريبا حال غالبية إخوته وأقاربه. فكل واحد منهم «فصّل» لنفسه البدلة الدينية التي تناسب طبعه وظروف حياته ووضعه المالي. فالذي يحب النوم يبرر عجزه عن اداء صلاة الفجر في موعدها بانه أفضل من غيره في أمور أخرى، وأنه على الأقل يؤديها، وإن في غير موعدها. أما الذي لا يزكي من ماله، فإنه يفصل بدلته الدينية لتكون على مقاسه بالقول إنه بدلا من دفعها، فإنه يتبرع بأكثر منها لأقربائه. ومن يدمن تناول المسكرات يقول انه لا يضر احدا بتناولها، وأنه يلتزم بأداء كل فروضه الدينية، وهكذا مع البقية، من اشخاص او أوامر ونواه.

أما جبرائيل، فهو أكثر تسامحا انسجاما مع نفسه ومعتقده، وتكاد تخلو حياته من التناقضات، مقارنة بجبار. فقد تربى ووالده وعاشا في بيئة متسامحة. وعلى الرغم من أنه، كما الحال مع كل افراد اسرته، يرتادون الكنيسة يوما في الأسبوع، بخلاف المناسبات، إلا أنك لا تجدهم والكتب الدينية بين ايديهم، فهم يعرفون مكانها، ويعرفون محتواها، وهي دافعهم لمحبة الخير والآخر، ومنهاج طريق. وبالتالي فما فيها من عنف ودماء وتحليل سلب وقتل لا علاقة لهم به، بل هي أمور تتعلق بماض تاريخي لا يودون ان يكونوا جزءا منه. كما أن تاريخه الديني، والقديم منه بالذات، بكل ما فيه من دموية بين طوائفه، أو ضد أتباع الديانات الأخرى، اصبح لا يعني له الكثير. كل ذلك لا يعني أن جبرايل غير غيور على دينه أو لا يحترمه، بل العكس هو الصحيح، فهو على استعداد لأن يضحي بالكثير من اجله، ولكنه يميل للالتزام بما تربى عليه وتعلمه من تسامح، وميل للمغفرة، وأن كلنا خطاؤون.

ما نود قوله هنا إننا جميعا بحاجة ماسة لأن نقلل من الجرعة الدينية المتشددة في حياتنا، بعد ان اصبحت كل تصرفاتنا، من دعاء وتسوق وتحريك سبابة وتنظيف اسنان وتثاؤب ودخول حمام ونوم وقيام وقعود وإلقاء تحية، وعلاقة مع انفسنا والعالم من حولنا، وتقسيمهم لذمي وكافر وغير ذلك، تخضع لسيل لا ينتهي من الفتاوى والتعليمات التي يستحيل على اي كان الاحاطة بها كلها، دع عنك الالتزام بها.

الارشيف

Back to Top