الاحتفال المُرّ

أحمد الصراف

احتفل الإيرانيون، بفرح غامر، بالاتفاق النووي الأخير مع الدول الخمس الكبرى، ليس من منطق انتصارهم عليها، بل لرفع المعاناة التي فرضت عليهم طويلا، التي أثرت فيهم سلبا بشكل مؤلم.

ما هو مهم في الاتفاقية الأخيرة ليس فقط بنودها المعروفة، ولكن ايضا ما لم يتسرب منها، الذي سيحظى باهتمام الدول الخليجية في اجتماعها المقبل مع القيادة الأميركية في كامب ديفيد.

تقول بنود الاتفاقية ان إيران، وبعد رفض، وافقت على تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي الضرورية لتخصيب اليورانيوم، من 19 ألفاً إلى 6 آلاف جهاز. كما رفض طلبها بالرفع الفوري للعقوبات، ولكن التخفيف منها سيكون تدريجيا، ومتزامنا مع تعاونها مع لجان المراقبة، وان هذه العقوبات سيعاد فرضها فوراً عند مخالفة إيران لأي من بنود الاتفاق. وابقت الاتفاقية العقوبات الأميركية المرتبطة بالإرهاب وانتهاكات إيران لحقوق الإنسان وأنشطتها في مجال الصواريخ طويلة المدى (التي ربما تشكل خطورة على اصدقاء أميركا في المنطقة). كما أن عمليات تفتيش الفرق الغربية لإمدادات اليورانيوم في اي بقعة في إيران ستدوم 25 عاماً مقبلاً. مع موافقة إيران على عدم تخصيب اليورانيوم فوق معدل %3.67 لمدة 15 عاما على الأقل. وتقليص مخزونها منه، البالغ عشرة آلاف كيلو غرام، إلى 300 كيلو غرام فقط، ولمدة 15 عاما مقبلاً! 

كما منعت الاتفاقية إيران من بناء أي منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم، وسيكون للمفتشين حرية الوصول إلى مراكز الإمداد الداعمة لبرنامج إيران النووي. وستقوم فرق التفتيش بمراقبة المواد أو المكونات ذات الصلة عن كثب، لمنع التحول إلى برنامج سري. وسيكون للمفتشين حرية الوصول والمراقبة المستمرة الى مناجم ومطاحن اليورانيوم، حيث تنتج إيران «الكعكة الصفراء»، لمدة 25 عاماً. 

وسيُخضع المفتشون للمراقبة المستمرة منشآت إنتاج وتخزين مكونات أجهزة الطرد المركزي لمدة 20 عاماً. وستُجمد قاعدة تصنيع أجهزة الطرد المركزي، وستُخضع للمراقبة. وستزال جميع أجهزة الطرد والبنى التحتية للتخصيب من فوردو وناتنز، ووضعها تحت الرقابة المستمرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة 15 عاما أيضا.

وسيتم تدمير قلب المفاعل، الذي يُفترض أنه قد سمح بإنتاج كميات مهمة من البلوتونيوم المستعمل في صنع الأسلحة، أو سيتم إخراجه من البلاد. وستشحن إيران كل الوقود النووي المستنفد من المفاعل إلى خارج البلاد، وطيلة مدة حياة المفاعل.

لقد كان بالإمكان التوصل الى هذا الاتفاق نفسه قبل سنوات طويلة، لولا تعنّت الحكومة الإيرانية. فهل كان الأمر يستحق كل هذه التضحيات؟!

وألم تبين هذه الاتفاقية خطأ كل من طالب بشن حرب على إيران، وتحطيم مفاعلاتها النووية، سواء كان هؤلاء من الأكاديميين المهووسين بجنون القتل والتدمير، أم من إسرائيل؟ ألم تثبت هذه الاتفاقية أن المفاوضات، بضغط وعقوبات دولية، هي الطريق الأسلم لإجبار أي نظام على الانصياع؟!

الارشيف

Back to Top