رفاهية العنصرية

أجرت قناة تلفزيونية لقاء مميزاً مع السفير السابق محمد السداح، ذكر فيه أن الكويت منذ نشأتها لم تعرف تطرفاً دينياً ولا طائفياً. وأن الشيخ مبارك الصباح (1840 ـ 1915)، عندما أراد تنمية الكويت ذهب الى البحرين، وأتى منها بصناع السفن، القلاليف، وكانوا في غالبيتهم من الشيعة، ولم يستنكر أهل الكويت ذلك. كما لم يكن هناك فرق بين التجار السنة والشيعة، فقد كانت هناك شراكة عميقة بين عبدالمحسن الخرافي مع عبدالمحسن المتروك، وما يماثلها بين زيد الكاظمي وعبدالرحمن البشر، وأخرى بين صالح جمال وعبدالله الملا، وغير ذلك كثير، وكلها دلت على التسامح. وهناك مثال آخر، حيث كان في حيّنا في قبلة عائلة شيعية، وكان كبيرها يصلي معنا، ولم يحدث ان طلبنا منه عدم مشاركتنا. وعندما يحل عاشوراء كنا نشاركهم طعام المناسبة، ولم نحس بفارق طائفي بيننا. وفي أحد الأيام كنت أدرس في مدرسة الشرقية، وعندما حان موعد الصلاة لم يحضر الإمام، فطلبنا من الاستاذ فاضل خلف، والد سفيرنا في السنغال محمد خلف، وهو شيعي، أن يقوم بالإمامة فينا فلم يتردد، ولم يستنكر أحد. وفي مدرسة النجاح اقوم أحيانا بالإمامة في المدرسة، وبين من اصلي بهم طلبة شيعة، ولا هم استنكروا ولا آباؤهم استنكروا. ولكن اليوم الوضع تغير في الكويت، وسبب ذلك تطرف الطرفين، وانعكاس ذلك على الوحدة الوطنية.

تبين في نهاية اللقاء أن السيد السداح سبق أن بنى عدة مساجد منها اثنان في إيران، أحدهما للسنة والآخر للشيعة!

لا شك في صحة ما ذكره السفير السابق من أن تطرف البعض من الطرفين ساهم في اتساع الهوة بينهما، وقاعدة «ابحث عن المستفيد»، لا تجد من تلوم غير الجهل وتطرف بعض رجال الدين، ومن الطرفين، الذين لم يناسبهم يوما تقارب أتباع الديانات المختلفة، وقبل ذلك أتباع الطوائف الأخرى، ففي ذلك التقارب خطر على نفوذهم، وتأثيره السلبي على مواردهم. ولم يكن غريبا ما حدث في أحد مساجد العديلية قبل سنوات، عندما لاحظ الإمام قيام «شيعي» بالصلاة معهم، فأخبر المصلين، فقام هؤلاء بـ«تأديبه» وتسليمه للمخفر ليعاد لوطنه، البحرين، في الليلة نفسها.

إن الظروف التي تمر بها الكويت، والسنوات العجاف القادمة، يجب أن تدفعنا الى أن نكون متسامحين أكثر مع الآخر. فليس هناك مجال للرفاهية العنصرية. وعلينا الحذر من أولئك الذين يشيعون الكراهية بيننا على أساس المعتقد او الانتماء، فهؤلاء هم عنوان التخلف ورأس الشر!

الارشيف

Back to Top